اقرأ هذه الأيام -مدفوعاً بالملل مجللا بالضجر أسيرُ مرفوع الرأس- رواية الأصل لدان بروان حيث ورد فيها الآتي. (رواية الأصل -دان براون ص 99)
وبما أنني كتبت شبه مقال كتعليق على موضوع عماد أبو الفتوح في حسوب بعنوان: هل توافق على تفسير ” نيل ديغراس تايسون ” بخصوص أسباب تراجع الحضارة الإسلامية ؟ وها هو تعليقي كاملاً:
شكرا عماد لطرح الموضوع، وجوابي بعد مشاهدة الفيديو واتمنى اني لم اكن متحيزا او لدي احكام مسبقة عنه جوابي هو : أتفق بشكـل جزئي.
الفيديو الأول حتى الدقيقة 7.19 كل ما قاله اتفق معه . بمجرد ان يظهر الغزالي في الفيديو هنا تبدأ المغالطات الواضحة.
الفيديو الثاني: حتى الدقيقة 5.44 كل ما قاله اتفق معه. بمجرد ان يظهر الغزالي تبدأ المغالطات.
ملاحظاتي:
اخالف منهج الدراسات التاريخية الذي يدرس الامم على اساس حقب ‘منفصلة بشكل تام ‘ بل التحليل التزامني . لا اؤمن بالتقسيمات المدرسية ( يمكن الرجوع لمفهوم التاريخ لعبد الله العروي للاستزادة ) .
الاسطرلاب صناعة يونانية في الأصل طور من قبل المسلمين. ودليل ذلك اسمه .
لا يوجد هناك تفسير للقرآن كامل للغزالي . وتأثيره كان بطيئا ولم يكن وحده في الساحة والفقهاء وذوو العقول من العالم الاسلامي لم يكونوا مع نظرته. بل ان الغزالي يعتبر من ضمن اهم عوامل الزخم الفكري للعالم الاسلامي ككل. ورد بن رشد عليه دليل واضح على ذلك . تحولت المناقشة الى “انه سبب انهيار العالم الاسلامي ” وهو حجة تاريخية متهافتة فعلا.
نيل دو غراس كان موضوعيا وقال ان “كثر ” من المؤرخين يحللون التاريخ مثلما عرضه هو بشكل علمي. لكنه لم يقل “كل ” . أو يعمم وهذا يحسب له .
مقارنة “التطور التاريخي العلمي ” الاسلامي بمفهوم دين الاسلام بالتطور التاريخي العلمي للغرب بمفهوم المسيحية منهج تاريخي خاطيء فعلا. وهذا أمر معروف لدارسي علم التاريخ المقارن بين الحضارات وعلميا هو خاطيء للكثير من الأسباب.
وتحليلها كالتالي:
لم يكن هناك مؤسسة فقهية (تماثل الكنيسة ) في العالم الاسلامي لتجعل اجتهادات اي شخص مهما كان سارية المفعول فيما يمكن ان نسميه الامبراطورية الاسلامية او دار الاسلام. هناك اجتهادات طوائف ألوف الآراء و علم كلام -فلسفي – شديد التطور والتعقيد.
وللعلم يقال دوما عن حرق الكتب وانهيار الحضارة الاسلامية بسبب آرائه وينسب ذلك للغزالي او بتأثيره الشديد. هو أثر لانه له عقلا جبارا وليس لان له نفوذا. وبالمناسبة كتب الغزالي احرقت في الاندلس أيضاً. ولم يتسبب ذلك بعودة المجد المفقود.لدي ملاحظة دقيقة هنا : انا لا اؤمن بالتحليل التاريخي الذي يعتمد على فترات . بمعنى ان منهجية التحليل التاريخي هذه خاطئة بل اؤمن بالتحليل المتزامن والتزامن يجعل الامور اوضح. لهذا نحن في هذا الوقت لا نعرف فعلا عن علم الرياضيات المغاربي. لا نعرف تراثنا وفي نفس الوقت عاجزون عن احتواء التكنولوجيا الحديثة. يشرح هذا بشكل أفضل عبد الله العروي في سلسلته الرائعة مفاهيم مجموعة من الكتب شديدة القيمة تجيب عن هذا التساؤل لماذا تخلفنا ؟.
ملاحظة: لدى الكثير من العلماء المعاصرين الغربيين ضعف شديد في التعرف على التراث الاسلامي فعلا. سواء العلمي التاريخي أو الأدبي. هذا الضعف لا يقدح في تطورهم ولا يقول اننا لسنا متخلفون بل بشكل علمي منهجي. والسبب هم نحن لا هم . لهذا أفضل من يحلل الوضع هم العلماء العرب والمؤثرين الذين تربوا على تراثنا وخبروه جيدا ثم ذهبوا للغرب وتعرفوا عليه مثلا الطرابيشي وعبد الله العروي، ورشدي راشد (رائع جدا ) و عبد الفتاح كليطيو، وعدنان ابراهيم، وبداية بمحمد عبده، و الطهطاوي والشدياق وغيرهم كثر.
وبما أنني ترجمت كتاب الحضارة الاسلامية عبر ثلاثين شخصية للباحث تشيس ف روبنسون فقد وجدت دليلا علمياً وليس انشائياً لتبرئة الامام الغزالي بشكل واضح وقاطع يتمثل فيما يلي: (قياس الانتاج العلمي بعد وفاة هذا العلامة) لرؤية هل فعلا تسبب في انهيارنا أم لا؟.
“لم تمت الفلسفة العربية بعد الغزالي” كتب أحد الباحثين؛ “ولم تكن نشاطا هامشيا يثير استياء ما يدعى بـ”المعتقد التقليدي”. بل كانت حركة فكرية نشطة ومستقلة إلى حد بعيد استمرت لمدة عشرة قرون كاملة، والبعض يقول أنها لا تزالُ حية للآن في إيران”. ويجادل نفس الباحث أن “العصر الذهبي” للفلسفة الاسلامية امتد لقرنين آخرين من الزمن بعد وفاة الغزالي [1]. وكما وصف ذلك أحد العلماء والقضاة العثمانيين المؤثرين في القرن السادس عشر، “المنطق علم باهر البرهان، وكالشمس لا تخفى بكل مكان. ولا يجحد فضله إلا من يعشو عن إدراك الحقائق، ويعمى عن فهم الدقائق” [2]. (في حالة المنطق، لم يصبح هذا العلم ذو سمعة سيئة على نطاق واسع إلا في القرن التاسع عشر). وبالمثل، أثبت العلماء المسلمون في العلوم النظرية (مثل علم الفلك) والتكنولوجيا (مثل الساعات)، أنهم لا زالوا قادرين على الابتكار موفرين نظريات وحلولا لنظرائهم الأوروبيين. في الواقع، لم تزدهر بعض الحقول العلمية إلا بعد القرن الثاني عشر، والمثال الممتاز على ذلك هو علم الفلك. “[إن] أي شخص يخصص وقتًا لقراءة الانتاج العلمي في الفترة اللاحقة للغزالي، لا بد من أن يقتنع بأن هذه المرحلة كانت المرحلة الأكثر انتاجًا، لا سيما في حقل علم الفلك الذي لم يكن له منازع” [3].
ونظرًا لحجم التداول الحاصل عبر المناطق المتوسطية في مجال الفلسفة والعلوم، والأفكار والتقنيات التي يتقاسمها المسلمون والمسيحيون واليهود على حد سواء، فإن السؤال المفيد لا يتعلق بإذا ما كان أو لماذا عانى المسلمون حالة ركود. بل السؤال: هل من المنطقي أساسا أن نتحدث عن مسارات لاتينية أو أوروبية أو اسلامية متمايزة عن بعضها في الفلسفة والعلوم”.
الحضارة الاسلامية عبر ثلاثين شخصية فصل الغزالي، تأليف تشيس ف روبنسون ترجمة: يونس بن عمارة نشر دار كلمات. ملاحظة تغميق النص وتسطيره مني.
غلاف كتاب الحضارة الاسلامية عبر ثلاثين شخصية:
الهوامش:
[1] الباحث هو دي غوتس D. Gutas والمرجع: دي. غوتَس “دراسة الفلسفة العربية في القرن العشرين: مقالة في تأريخ الفلسفة العربية”، المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط عدد 29 (2002) صفحات 5-25. (بالإنجليزية).
[2] مفتاح السعادة في موضوعات العلوم، لطاش كبرى زاده، طبعة دار الكتب العلمية مج 1 ص 265.
[3] د. جورج صليبا، العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوروبية، ترجمة: د. محمود حداد، هيئة أبو ظبي للثقافة ومشروع كلمة، ص 391.
تعليقي: وبعد اطلاعي على كتاب الدكتور جورج صليبا العلوم الاسلامية وقيام النهضة الأوروبية فالكتاب ذاته من الأول للآخر ناطق علميّ موثق بتنفيد الدعوى أعلاه التي يعتقد بصحتها دان براون في رواية الأصل ونيل ديغراس ومجموعة كبيرة من الأكاديميين الغربيين غير المطلعين بشكل كاف على الحقائق الاسلامية العربية.