كنتُ في المطبخ والمذياع مفتوح بينما اختي تصلح لي العشاء (حول كلمة أصلح وعلاقتها بالطعام وترجمتها راجع تدوينتي) حينما تكلم احد المسؤولين في المذياع -بما ان الاجواء اجواء انتخابات- وبدأ يلقي الوعود كعادتهم فقلت لاختي انتظري سيقول ان شاء الله فبعد ثوان قليلة قال ان شاء الله فابتسمنا لبعض وقلت لها ان شاء الله تبعهم تعليقية فقط ذلك انهم لا يطبقون ابدا ما يقولونه.
وهنا اسمحوا لي ان اشرح معنى التحقيق فلما تجد في تراجم الصوفية مثلا (وكان متحققا في مقام الزهد) او تحقق بمقام الزهد يعني ان زهده كان قولا وعملا وليس مظاهر زائفة فقط. وكذلك قوله كان عالما محققا اي متحققا بمقام العلم قولا وعملا وهذا هو معنى التحقيق اي تحقق ما تعي به وتؤمن به.
وقصة المذياع ذكرتني بقول ابن تيمية لما قال سيكون كذا وكذا وكان الامر متعلقا بالتتار فقال له الحضور قل ان شاء الله فقال ان شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
فهو رحمه الله امام ذكي وعبقري لتفريقه بين (ان شاء الله) كعادة اجتماعية اي تعليق بلغته وبين (ان شاء الله) حقيقية متحققة بالاستعانة والتوكل على الواحد الاحد مع العمل الدؤوب والواقعي. وذلك يشبه ما روي عن السيد علي رضي الله عنه: استغفر الله من قولي استغفر الله. لان الثانية كانت (غير محققة) تماما.
ولذلك وضعتُ معيارا لتعرف ما اذا كانت (ان شاء الله) تبعك (تعليقا) او تحقيقا.
(ان شاء الله) التعليقية:
- النية موجودة لكن العزم مختفي
- الهدف مشوش والرغبة غير واضحة
- لا توجد هناك اي خطة عملية تتضمن خطوات واضحة (فضلنا الموضوع في تدوينة مستر باين)
- الاتكال على مجيء احداث سعيدة دراماتيكية (اسمها نظرية حقيبة المليون دولار على قارعة الطريق)
(ان شاء الله) التحقيقية:
- النية والعزم موجودان بقوة وعمق
- الهدف واضح والرغبة متأججة وحقيقية
- هناك خطة عملية مفصلة مقسمة لخطوات عملية اقل وقد تم اجراء أولها في الوقت المناسب.
- العمل مستمر (ديمة). والتراكم شغّّّال (التشديد ليس خطأ بل مقصود للأهمية)
- التوكل على الله + خطط مواجهة السناريوهات السيئة متوفرة وعملية.
دمتم في الود.