نظرًا لعدم وجود المنافسين: الشركات الايرانية الناشئة تزدهر رغم العقوبات الاقتصادية

موظفة تعمل على حاسوبها المحمول في شركة تخفیفان بطهران، إيران، 19 يناير 2016. حقوق الصورة محفوظة لرويترز.
موظفة تعمل على حاسوبها المحمول في شركة تخفیفان بطهران، إيران، 19 يناير 2016. حقوق الصورة محفوظة لرويترز.

رغم افتقارهم للمال الكافي إلا أن لديهم ما يكفي من الأمل هكذا تعلم رواد الأعمال الايرانيون في المجال التكنولوجي التعايش مع عدائية متزايدة وشكوك متنامية من الولايات المتحدة أو -ما هو أسوأ- من أولئك الذين هم في وطنهم الأم.

رغم ذلك ازدهرت شركاتهم الناشئة وتطبيقاتهم على الهواتف والتي تدعمها البنية التحتية الحكومية ويشجعها الشباب الايراني المتعلم في الداخل والخارج على حد سواء. بل أن بعضهم جذب حتى الاستثمار الخارجي بمستوى لم تحققه ايران التي يشكل النفط معظم مصدر دخلها منذ العقوبات الدولية التي رُفعت مطلع العام الماضي بموجب اتفاق النووي مع كبرى الدول العالمية.

ومع ذلك لا زالت الحياة صعبة على الرغم من تخفيف عزلة ايران الدولية وتراخي الحصار الاقتصادي المفروض. لكن الأجواء في واشنطن العاصمة توترت مجددا عندما وقع الرئيس دونالد ترامب تشريعا يشدد العقوبات الأمريكية الداخلية على ايران ويهدد بالانسحاب من الاتفاق النووي الذي تم ابرامه.

أضف إلى ذلك سحبت غوغل وآبل بعض الخدمات مؤقتا وإلى أجل غير مسمى من المستخدمين الايرانيين في الأشهر القليلة الماضية وذلك لعدة أسباب من بينها تنفيذ العقوبات الأمريكية.

مع ذلك سمح غياب عملاقة التكنولوجيا الأمريكية مثل أمازون وأوبر لنظائرها الايرانية دیجی کالا و اسنپ بالنمو سريعًا. كما أن العديد من شركات الانترنت المحلية استفادت من غياب منافسيها هي كذلك.

ويقول رامين ربيع المدير التنفيذي لمؤسسة Turquoise Partners التي تعمل على تسهيل الاستثمار الخارجي في ايران أن خطابات ترامب قد تساعد -بشكل يناقض هدفها- القطاع التكنولوجي في إيران.

“إذا واصل ترامب الحديث عن العقوبات قد يزيد ذلك من خطر الاستثمار في إيران لكنه في نفس الوقت سيترك الكثير من المنافسين خارجًا” قال رامين ربيع لوكالة رويترز في مكالمة هاتفية من طهران. “اللاعبون الكبار في المجال التكنولوجي غائبون”

لا تتوفر احصائيات عن حجم الاستثمار الأجنبي في شركات التكنولوجيا الإيرانية. مع ذلك يقدر ربيع أنه يصل إلى مئات الملايين من الدولارات منذ دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.

على النقيض من ذلك، لم يحدث بعد ذلك الاندفاع المتوقع للاستفادة من احتياطات ايران الطاقوية الضخمة. يستثمر مجمع توتال الفرنسي الآن بالفعل في مشروع غازي لكن طهران لم توقع بعد أي صفقات نفطية كبرى مع شركاء دوليين آخرين.

مع ذلك لا تزال الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا الايراني متواضعة مقارنة بالصفقات الاقليمية الكبرى مثلما حدث عندما اشترت أمازون موقع سوق دوت كوم للتجارة الالكترونية والذي يقع مقره في دبي في شهر مارس من هذا العام. لم تكشف أمازون عن السعر لكنه بلا شك أكثر من المبلغ الذي عرضه أحد منافسيها على الشراء والذي يصل إلى 800 مليون دولار.

رغم كل هذا يصر بيع على رؤية الجانب الايجابي. “يسألني العديد من المستثمرين الأجانب عن القطاعات الأكثر نجاحا في ايران خلال العشر سنوات المقبلة. ودائما ما أقول لهم أنه قطاع التكنولوجيا والتجارة الالكترونية”.

الانجازات المحلية

حفّز قطاع التكنولوجيا بعد العزلة النسبية التي فرضتها فترة العقوبات الدولية على ايران، الكثير من الشباب الايراني للعودة من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا. ويأمل هؤلاء الشباب بتشبيك خبرتهم في المجال التكنولوجي مع المواهب التي تعلمت محليا.

هكذا غادر رضا عرببيان كندا -حيث ذهب إليها وهو صبي- ليلتحق بشركة عائلته المتخصصة في المنسوجات في إيران. لكنه في عام 2012 أطلق رضا موقع شیپور وهو النظير الايراني لموقع Craigslist موقع الاعلانات المبوبة في الولايات المتحدة.

توظف شركة شیپور الآن مئتي موظف ومؤخرا احتفلت بعيد ميلادها الخامس. مع ذلك تبقى السيولة النقدية مشكلة فعلاً.

“لا تزال الشركات الأجنبية مترددة أما المستثمرون الايرانيون فيفتقرون لفهم قيمة التجارة الالكترونية وجدواها الاقتصادية. إنهم لا يتقبلون فكرة أن ينتظروا خمس سنوات لكي تتمكن الشركة الناشئة من جني الأرباح” يقول رضا.

مع ذلك نرى بعض المستثمرين لا سيما في أوروبا حيث العقوبات الدولية ليست متشددة جدا، مستعدين لتقبل المخاطرة الاقتصادية. هكذا نرى Pomegranate للاستثمارات -وهو صندوق سويدي الأصل- على سبيل المثال اشترى ما يعادل 43 بالمئة من قيمة شركة شیپور

أما على نطاق أوسع فنرى Sarava وهي مالك الأسهم الرئيسي في دیجی کالا يملك 45 بالمئة من أموالها مستثمرون أجانب. ويشمل هؤلاء المستثمرون صندوق Pomegranate الذي رفع حصته إلى 15 بالمئة من دیجی کالا باستثمار 41 مليون يورو (48 مليون دولار) في سنة 2016.

وعلى غرار موقع أمازون نما دیجی کالا ليصبح أكبر شركة انترنت في إيران تستولي على 85-90 بالمئة من الحصة السوقية حسب صندوق Pomegranate الاستثماري. بينما ارتفع عدد الموظفين خلال العامين الماضيين من 800 إلى أكثر من 2000 موظف.

البنية التحتية

موظفون يعملون على حواسبيهم المحمولة في شركة تخفیفان بطهران، ايران 19 يناير 2016. حقوق الصورة محفوظة لرويترز.
موظفون يعملون على حواسبيهم المحمولة في شركة تخفیفان بطهران، ايران 19 يناير 2016. حقوق الصورة محفوظة لرويترز.

لم تحصل ايران إلا مؤخرا على وصول واسع لشبكة الانترنت لكن هذا القطاع شهد استثمارات كبيرة جدا في عهد الرئيس حسن روحاني وذلك على أمل جذب رؤوس الأموال الأجنبية وخلق المزيد من فرص العمل.

ووفقا لمرصد المؤشرات التكنولوجية بإيران وهو مرصد تابع للحكومة فإن أزيد من 62 بالمئة من العائلات الايرانية كانت متصلة بالانترنت في مارس 2017. وهذه النسبة أعلى من نسبة 21 بالمئة التي كانت في سنة 2013 العام الذي تولى فيه روحاني منصب الرئاسة.

كما شهد عدد مالكي الهواتف الذكية ارتفاعا ملحوظا كذلك. ففي إيران وهي بلد عدد سكانه يصل إلى 80 مليون نسمة لم يكن مستخدمو الهواتف الذكية يتجاوز المليونين قبل ثلاث سنوات لكن العدد يصل إلى 40 مليونا سنة 2016.

شجعت هذه التطورات كمران عادل وهو ايراني الأصل ولد ونشأ في لندن للانتقال إلى طهران العام الماضي.

“لقد تحسنت البنية التحتية الايرانية بشكل هائل وممتاز في السنوات الأخيرة. أصبحت تكنولوجيات الـ 3G و 4G أكثر شيوعا وانتشار مام كانت عليه قبل بضعة سنوات” يقول عادل الذي تستثمر شركته Ctrl+Tech في المراحل الأولية للشركات الناشئة وتساعدها على تطوير تطبيقاتها.

هكذا نجد الكثير من التطبيقات الايرانية مجرد نسخ طبق الأصل على التطبيقات العالمية لكنها في مأمن من الملاحقة القانونية الدولية. لكننا نلاحظ كذلك أن سنوات العزلة أجبرت المواهب المحلية على أن تكون أكثر ابداعا وابتكارا، هكذا يقول عادل أنه لا يوجد أي نقص في مطوري تطبيقات الهواتف الذكية.

أحد هؤلاء المطورين هو فرشاد خودامورادي الذي صمم تطبيقا لشركة ناشئة متخصصة في التوظيف سيصدر في السوق هذا الشهر. وما يتميز به موقع 3sootjobs خلافا للمواقع التقليدية هو استخدامه لنظام ربط مبني على خورازمية معينة لربط المرشحين مع أصحاب العمل المناسبين.

يشكو خودامورادي من الصعوبات في الوصول إلى خدمات التكنولوجيا الأجنبية التي يرتكز معظمها في الولايات المتحدة. “تكمن المشكلة الرئيسية في أن الخدمات العالمية التي تستخدمها الشركات الناشئة الإيرانية يمكن أن تقطع بين ليلة وضحاها” يقول خودامورادي لوكالة رويترز من طهران.

ويضرب خودامورادي مثالا على ذلك بمنصة Firebase وهي خدمة تابعة لغوغل تستعمل لتوليد الاشعارات اللحظية push notifications -مثل تلك الرسائل التي تُرسل للمنتقلين بأن سيارة الأجرة وصلت لأخذهم مثلا- دون الحاجة إلى فتح التطبيق.

لم تكن هذه المنصة متوفرة في ايران في العديد من الأوقات في شهري يونيه ويوليه مما عطل وشوش عمل الشركات الناشئة العاملة في مجال سيارات الأجرة كما يقول خودامورادي كما أن شركة غوغل لم تجب على استفسارات وكالة رويترز للتعليق على هذه الانقطاعات.

وعلى الرغم من أن الشركات التكنولوجية قد تحصل على بعض الاعفاءات من العقوبات المفروضة إلا أن الشركات الأمريكية لا ترغب في التعرض لخطر التورط مع إيران. في أغسطس من هذا العام هدد وزير الاتصال الايراني محمدجواد آذری باتخاذ اجراء قانوني ضد شركة آبل جراء حذفها التطبيقات الإيرانية من متجرها. وكما هو الحال مع غوغل لم تجب شركة آبل على استفسارات رويترز بشأن هذا الموضوع.

رسالة من أوباما

كل هذا يبدو على النقيض تماما من الوعود الأمريكية بعد الاتفاق النووي ففي شهر مارس من عام 2016، قال الرئيس باراك أوباما في رسالة له للشعب الإيراني بمناسبة انهاء العقوبات الدولية “أن ذلك يعني اتاحة الوصول إلى التقنيات الحديثة المتطورة بما فيها تكنولوجيا المعلومات التي ستساعد الشركات الايرانية الناشئة”.

منذ صدور تلك الرسالة تابع مناهضو الولايات المتحدة من الايرانيين المتشددين نمو الشركات الناشئة بتوجس وسوء ظن واصفين إياها بأنها أدوات عمالة وتجسس على ايران. هكذا انتهى الحال باثنين من المستثمرين في شركات التكنولوجيا الأجنبية في السجن.

سُجن نزار زكا وهو خبير لبناني في تكنولوجييا المعلومات يتمتع باقامة دائمة في الولايات المتحدة سنة 2016 بعد الحكم عليه بعشرة سنوات بتهمة التعاون ضد الدولة. كان نزار زكا قد حضر مؤتمرا في طهران العام قبل سجنه تلبية لدعوة أحد نواب الرئيس الإيراني ليجد نفسه في قبضة الحرس الثوري الاسلامي عندما كان في طريقه للمطار لمغادرة البلاد.

كذلك حكم على رجل الأعمال الأمريكي-الايراني سيامك نامازي بعشرة سنوات حبسا سنة 2016 بتهمة التعاون مع الولايات المتحدة الامريكية. وأثناء فترة اعتقاله ظهر نامازي في فلم وثائقي ايراني شاهدته رويترز يقول فيه أن خطأه كان قبول أموال في شركته الناشئة من منظمة مرتبطة بغرفة التجارة الأمريكية.

كما يجدر الذكر أن الحرس الثوري، وهو قوة عسكرية تدير امبراطورية صناعية ضخمة، يسيطر بشكل كبير على قطاع الاتصالات في إيران.

ومع ذلك يقول رواد الأعمال في القطاع التكنولوجي أن البيئة مشجعة عمومًا. يقول عادل “لم يتعرض أولئك الرجعيون الحكوميون لنا”.

لكن على المدى الطويل ستجعل العقوبات الدولية المفروضة وجود نموذج مثل سوق دوت كوم للحصول على استثمارات مالية في إيران عملا صعبا للغاية.

لكن إيدي كرمان يبدو متفائلا، وايدي كرمان هو عضو في مجمع انديغو Indigo Holdings الذي يتخذ لندن مقرا له ويربط بين مستثمري البيع بالتجزئة بالشركات التقنية الايرانية.

“من المستبعد أن تستطيع الشركات الأمريكية مثل أمازون الدخول للسوق الإيراني لكن هناك احتمال كبير أن تشتري الشركات الأوروبية أو الآسيوية كبار اللاعبين الايرانيين في القطاع التكنولوجي” يقول إيدي كرمان.


تمت الترجمة بتصرف من هذا المصدر.

حقوق الترجمة للعربية محفوظة لـ: يونس بن عمارة (c) أكتوبر 2017.

رأي واحد حول “نظرًا لعدم وجود المنافسين: الشركات الايرانية الناشئة تزدهر رغم العقوبات الاقتصادية

شاركني أفكارك!

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s