ما الذي يمكن أن يصل إليه مجرد تعليق على مدونة ؟

طالعتُ بمتعة بالغة المقال المنشور على موقع مجلة ناتشر العربية ، المعنون بـ “نابغـة في الرياضيـات يحـل لغـزًا من ألغـاز المعـلِّم العظيـم ” ، وهو مقال يحكي عن قصة نجاح ( أو نقول نجاح تحت الاختبار ! ) عالم الرياضيات تيرينس تاو في حل أحد المسائل المستعصية في الرياضيات والتي وضعها المعلم إردوس قبل ثمانين عاما وعجزت الحلول الحاسوبية عن التوصل لتفكيكها والتغلب عليها .

وما لفت نظري في القصة هو أن فكرة الحل العبقرية التي خطرت لترينيس تاو . الظاهر في الصورة أدناه ، كانت قد بدأت بتعليق كتبه أحدهم في الوقت المناسب على مدونة تاو ، يقترح أن تلك المسألة الرياضية ربما قد تكون على علاقة بحدسية إردوس . يقول تاو بعدما قرأ التعليق «في البداية، اعتقدتُ أن العلاقة سطحية» لكنه سرعان ما أدرك العلاقة و أنها ربما تؤدي إلى الحل الصحيح . وبعد أقل من أسبوعين ، قدم تاو ورقته البحثية ، مضيفا إليها فقرة شكر للمعلق الذي ظهر أنه أوي ستروبنسكي وهو معلم رياضيات في ريوتلنجن بألمانيا ، وله دكتوراه في الرياضيات من جامعة توبنج .( يا لفوائد المصادر العلمية المفتوحة !)

أما المسألة التي تحاول الورقة حلها أو وضع حل لها والتي كتبها العالم تاو فهي تتعلق بأحد معضلات نظرية الأعداد ، وتسمى بمسألة التناقض وقد تكهن إردوس عالم الرياضيات المتوفي العام 1996 بطريقة سلوكها كسلسلة لا نهائية للأعداد في تفاصيل رياضية متقدمة يمكن الاطلاع عليها كاملة في ورقة تاو المنشورة على الانترنت ومتاحة تماما . رابط المقال الأصلي .

وبما أننا لن نستعرض التفاصيل التقنية للمسألة رياضيا فاننا سنقدم الفوائد التي خرجتُ بها بمطالعة هذا الخبر العلمي على دورية ناتشر العربية  والفوائد كالتالي :

• دورية ناتشر بالعربية مجلة مهمة لكل مهتم بالعلوم وما يحدث في المجتمع العلمي عبر العالم ، وانطلاقها بالعربية بهذه الجودة والإتقان والإحكام هو أجمل ما حدث للثقافة العربية العلمية حتى الآن .
•  يمكن في هذا العصر لتعليقٍ جيد على مدونة ، تغريدة ، رسالة الكترونية أن تؤثر بشكل كبير في تاريخ ومسار العلوم ومن ثم البشرية جمعاء.
•  الاهتمام بآراء الآخرين أمر مفيد فعلا بالأخص حتى لو لم يتبين لك أول الأمر جدوى وجهة نظرهم من جهة نظرك .
•  نشر العالم تاو بحثه هذا في دورية «دسكريت أناليسز» Discrete Analysis المفتوحة، التي يديرها تيم جاورس، والتي تأسست في مطلع شهر سبتمبر الماضي؛ وهي تنشر البحوث المحكَّمة، كما لا تقبل سوى الأبحاث التي سبق أن نُشرت على موقع «arXiv» . ومن هذا الجزء من الخبر نفهم ونستفيد الآتي :
  •  النشر في مجلات ومواقع حديثة العهد لا يعني أنها ليست محكمة أو ساذجة أو لا علم لديها أو أنها لن تنجح .
  •  المصادر العلمية المفتوحة يمكن أن تقدم أمورا مذهلة لتطور العلوم .
  • نشر أفكارك على النت بشكل كامل ومفتوح . هو بشكل ما حتى لو كان ذلك يبدو تناقضا تحصين لها لأنها ستظهر باسمك أولا ويعرف العالم بما فيه و كل المجلات العلمية أن الفكرة فكرتك . بالتالي لا أحد يقول أن برهان حدسية إردوس لم يقم العالم تاو تيرينس بتقديم برهان مقترح له  .
• هناك جزء من الخبر يقول : ” عادةً ما كان يقدِّم إردوس ـ الذي كتب رسالة تزكية لتاو ليتمّ قبوله في جامعة برينستون في نيو جيرسي ـ جوائز نقدية لمن يحلّ المسائل التي يطرحها؛ وقد وضع مبلغ 500 دولار أمريكي لحل مسألة التناقض. ومنذ وفاته، أخذ آخرون على عاتقهم منح هذه الجوائز بالإنابة عنه. ”  وهذا ما نستفيد منه التالي :
  • أن الحصول على جوائز ملايين وألوف الدولارات لا يعكس قيمة المنجز العلمي الذي تقدمه للبشرية .
  • تقديرك للمعلمين واحترامهم الواجب لهم يوصلك دوما إلى أماكن أبعد مما وصلوها هم . مع الحصول على الإحترام من كل البشرية لأخلاقك وتواضعك .

خمسمئة دولار ليست بالطبع مبلغا كبيرا بالنسبة لعالم رياضيات كتاو تيرينس الحاصل على ميدالية «فيلدز» الشهيرة في عام 2006 والتي قد تصل إلى 15 ألف دولار ، فما الذي سيفعله بهذه الخمسمئة دولار ؟ :

وعندما سُئل تاو عمّا إذا كان سيقبل الجائزة، إنْ مُنحت له، أجاب بالنفي، وقال: «لقد جرت العادة على ألا تُصرف أموال الجوائز التي كان يقدِّمها إردوس في حياته.. فعادةً ما يُبَرْوِز الفائزون الشيكَ للذكرى».

المراجع :

• ورقة تاو تيرينس الكاملة البحثية حول برهان حدسية اردوس . هنا  
• الخبر العلمي على مجلة ناتشر النسخة العربية . هنا