كيف تستطيع دول الخليج جني نصف مليار دولار من العربية كل عامين ورفع نسبة العمل عن بُعد للسماء بجرّة قلم واحدة؟

مساء الخير،

طرح عليّ الأستاذ محمد سمير -بارك الله فيه- هذا الموضوع الماتع:

ولبّ سؤاله هو:

ما السبيل لجعل العربية لغة الحياة والعلم والخطاب والكتابة؟

في هذه التدوينة، لن أعتمد على دعوات جوفاء وتشريع قوانين -شُرّعت مثلها بالفعل- لحماية العربية ولم تجدِ نفعًا بل كل لبّ خطتي هنا يتمثل فيما يلي -ولن تجد مثلها في أي شركة استشارت ولو دفعت لها الملايين-

يمكن تقوية اللغة العربية وتعزيز مكانتها وإعلاء شأنها بربط تعلّمها واستخدامها بقيمة ماليةٍ وعائد ماديّ

هذا هو لبّ الخطة وباقي المقال يفصّل في طريقة التنفيذ حيث لا تتطلب الخطة:

  • انتظار عقود ولا قرون
  • تنشئة جيل جديد وفق مبادئ وقوانين جديدة
  • تشكيل لجان لا تفعل شيئًا

ما الخطة؟ تسألني. إليك الخطة أجيبك:

الشقّ الأول من الخطة: العمالة الأجنبية

أبشر.

خطوات الخطة يسيرة؛ وأساسها المنطقي هو ما يلي:

  • هناك عدد كبير من العمالة الأجنبية في دول الخليج
  • تفرض هذه الدول مستوى أدنى لتعلم اللغة ليُقبل العامل الأجنبي هناك
  • تسترخي الدول الخليجية وتجني المال وهي تبتسم فالمال يأتي بالمال

كيفية التنفيذ

  • بالنسبة للعمّال الموجودين هناك بالفعل. يُطلب منهم استخراج شهادة إتقان أساسيات العربية (هناك بعضها مثل شهادة سمة من معهد العالم العربي وشهادة طلاقة من شركة أبو غزالة لكن ينبغي صنع شهادة أخرى مخصصة لهذه الخطة)
  • تقبل الهيئة الخليجية المسؤولة عن الموضوع طلبات مانحي شهادة أساسيات العربية من الأفراد والمؤسسات مقابل
    • 3000 آلاف دولار سنويًا تُجدد كل عام للأفراد
    • 10 آلاف دولار سنويًا تُجدد كل عام للمؤسسات
  • يطلب من كل عامل أجنبي في الخليج تجديد شهادته كل عامين

ذكرنا أعلاه شهادة سمة، للتعرّف أكثر على ما ستبدو عليه شهادة أساسيات العربية فهي ستشبه شهادة سمة إلى حد بعيد. شاهد الصور وحمّل دفتر المرشّح للشهادة بالضغط على الزر:

في عالم مثل هذا العالم يستطيع أي سعودي* بارع في العربية أن يستخرج اعتماد منح شهادة أساسيات العربية وإطلاق إعلان في غوغل يستهدف الباكستانيين على سبيل المثال، وجني قدر ممتاز من المال جرّاء ذلك.

*هذا مثال فقط. ففي الواقع أي شخص عربي يجتاز اختبار الاعتماد من الهيئة الخليجية لمنح اعتمادات شهادة أساسيات اللغة العربية يستطيع جني المال. مما يعني ظهور أعداد كبيرة من ربوع الوطن العربي كافة تسترزق باللغة عن بعد مما ينعش الاقتصاد العربي إجمالًا.

بهذا الصدد يمكن أن تكون شهادة اعتماد منح الشهادات اختبارًا مدته أسبوعان لمن يرغب بأن يمنح الاعتماد بعده يمنح الاعتماد وإمكانية منح العمّال الأجانب الشهادات بعد سداد رسومه السنوية.

  • الهيئة الخليجية هنا تربح من رسوم منح الاعتمادات للأفراد والمؤسسات
  • من لديه الاعتماد يربح من العمالة الأجنبية الوافدة للخليج
  • الجميع سعيد واللغة العربية تصبح لها قيمة مالية واضحة
  • لا يعفى العمّال العرب -ومن يتقن العربية من قبل- من قانون إلزامية حصوله على الشهادة

الأرقام المتوقعة

لنحسب الدراهم الآن.

لاحظ أنه عند إطلاق القانون المؤيد للخطة. حتى لو كان العامل في دول الخليج الوقت الحالي سيلزمه استخراج شهادة أساسيات اللغة العربية في غضون ست أشهر من تشريع القانون.

ولو اعتمدنا هذا الرقم أدناه:

وحسب تقديرات الجهات الإحصائية المختلفة لدول الخليج، هناك قرابة 21 مليون عامل وافد في منطقة الخليج، وتُعد السعودية أكبر دول الخليج من حيث حصتها من العمالة الأجنبية الوافدة بنحو 9.7 مليون عامل، تليها الإمارات بنحو 5 مليون عامل، وتتقارب حصة كل من الكويت وقطر بما يزيد عن 2 مليون عامل لكل منهما…

العمالة الأجنبية في الخليج: خسائر مُضاعفة وحقوق غير مضمونة – التغميق مني

فهذا يعني:

إن كان تدريب الشخص (أون لاين) ومنحه الشهادة يكلّف 100 دولار في المتوسط فهذا يعني:

  • إن كان الفردُ الذي لديه شهادة اعتماد لمنح الشهادات يستطيع تعليم 30 عاملًا وافدًا مع بعض كل شهر فهذا يعني 3000 دولار شهريًا.
  • لو فرضنا أن الهيئة الخليجية منحت في العام الأول من الخطة شهادات اعتماد لـ100 ألف عربي فرد و20 ألف مؤسسة ستجني ما يلي:
    • ستجني من المؤسسات (التي تدفع 10 آلاف دولار سنويًا لعدد من التدريبات والشهادات أقصاه 100 ألف شهادة سنويًا) 200 مليون دولار كل عامين
    • ستجني من الأفراد (الذين يدفعون 3 آلاف دولار سنويًا لعدد من التدريبات والشهادات أقصاه 360 شهادة سنويًا) 300 مليون دولار كل عامين

ستجني الهيئة الخليجية التي تطبّق خطة الرقيّ باللغة العربية وفق ما سطّرته أعلاه: نصف مليار دولار كل عامين من منح اعتمادات منح شهادات أساسيات للعمالة الوافدة.

قد تقول ستحدث الرشاوي، وتكسير للأسعار والمنافسة غير الشريفة والاحتيالات.

أجيب: سيحدث كل ذلك؛ لكن المرغوب سيحصل: وهو ربط العربية بقيمة مالية. والسوق سيصحح نفسه فيما بعد ويستقر، وترتفع قيمة لغتنا بين الشعوب وفي القطاعات الاقتصادية.

أين ستُصرف كل تلك الأموال؟

  • يُصرف جزء من الأموال على سداد رواتب الموظفين القائمين على الهيئة وما شابه
  • يصرف جزء منها في إنشاء مسابقات لغوية مثل spelling bee في اللغة الإنجليزية لكن تخصص للعربية
  • دعم صنّاع المحتوى من الأفراد الذين ينتجون المحتوى باللغة العربية من مدونين وأصحاب بودكاست وقنوات يوتيوب وغيرهم
  • تمويل المبادرات العلمية والمجتمعية والمشاريع التجارية التي ترتقي باللغة العربية وتحافظ عليها

الشقّ الثاني من الخطة: حلبُ الشركات التقنية

وكما أخبرتكم أن لبّ خطتي هو خلق صلة بين المال واللغة العربية. ولكي تنفذ هذه الخطة تُنشئ شرطة لغة عربية هدفها الأوحد (ويمكن حتى إعلانه دون خجل) هو:

استخلاص أكبر قدر ممكن من الدولارات من الشركات الأجنبية التي تُخطئ في حقّ لغتنا

في عالَمٍ تُطبّق فيه خطة مثل هذه، لن تستغرب أن تقرأ مثل هذه العناوين الإخبارية (مثال تخيّلي):

مثال خيالي على خبر في عالَم تُحتم فيه لغتنا وإلا تُضرب بغرامة مالية تجعلك تحترمها
مثال خيالي على خبر في عالَم تُحتم فيه لغتنا وإلا تُضرب بغرامة مالية تجعلك تحترمها

قد تقول هذا سخيف. لكنه ليس كذلك. الدول الأخرى تحترم لغاتها وتفكّر بجدية بشأنها. لذا هو غير سخيف ومصدر دخل ممتاز. طالع أدناه إن شئت:

وإن تابعت الدول المرموقة التي تغرّم الشركات لأسباب مختلفة مثل تغريم روسيا لغوغل وتغريم فرنسا لغوغل وفيسبوك وغيرهما، ستجد أن هذا منطقيّ ومتاح. الفكرة هنا:

لنفعل ذلك لصالح اللغة العربية ولنحلب جيدًا.

الأرقام المتوقعة

لنحسب الدراهم الآن.

وفق جريدة الاقتصادية:

ارتفع عدد الشركات الأجنبية القائمة في السوق السعودية بنسبة 7.5 في المائة خلال عام، ليبلغ 4724 شركة بنهاية 2019، مقابل 4394 شركة بنهاية 2018، بزيادة 330 شركة.

4724 شركة أجنبية في السعودية رؤوس أموالها 28.3 مليار ريال .. ارتفعت 7.5 % خلال عام – التغميق مني

الرقم قرابة 5000 شركة أجنبية في السعودية لوحدها، لنقل أنه 1000 فقط، ولدينا 6 دول خليجية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، فلنفترض (وهو رقم أقلّ من الواقع) أن هناك 6000 شركة أجنبية في كل دولة من دول الخليج.

ولنفترض أن الشركات تخطئ أو تفشل في احترام لغتنا بحيث تخطئ كل شركة 3 مرات في العام.

أدنى غرامة وفق الخطة هي: 500 دولار وقد تصل للملايين. حسب فداحة الخطأ. لنقل أن متوسط الغرامة 10 آلاف دولار.

  • هنا لدينا 6000 شركة أجنبية في منطقة الخليج
  • 3 أخطاء لكل شركة في العام أي 18000 خطأ في المجمل
  • متوسط الغرامة على الخطأ 10 آلاف دولار

المجموع: 180 مليون دولار سنويًا

طبعًا يمكن للهيئة المشرفة أن تُوقِع عقوبات أشد على الشركات الكبرى مثل تيك توك وفيسبوك ولا سيما نتفلكس مثلما رأينا أعلاه مع اللغة الهولندية حيث تُغرّم الشركات التقنية التي تُفسد في الأرض بمبالغ أكبر.

في عالَم تُطبّق فيه الخطة. تابع القراءة حيث ستظهر مثل هذه الشركات العربية التي تجني دخلًا من اللغة العربية مثل:

شركات التأمينات اللغوية

ستزدهر شركات تقدّم خدمات قائمة على التقنية ويدًا عاملة تضمن للشركات الأجنبية عدم تلقيها للغرامات اللغوية، مقابل اشتراك شهري. ولتقريب المفهوم شاهد الصورة أدناه وهي مثال تخيّلي على شركة يرام للتأمينات اللغوية الشاملة.

مثال خيالي على إعلان لشركة تأمينات لغوية
مثال خيالي على إعلان لشركة تأمينات لغوية

أعتقد أن الفكرة اتضحت بالمثال الخيالي أعلاه. جعله الله واقعًا عن قريبٍ.

هل قرأت في الصورة عبارة صيّاد أخطاء لغوية مستقل؟

نعم، هذا صحيح وكما خمّنت. يشبه الأمر مكتشف ثغرات أمنية في مجال الأمن السيبراني لكنه سيكون هنا للغة العربية والصحة اللسانية. سيظهر عدد كبير من صيّادي الأخطاء اللغوية ويحصلون على مكافآت من شركات التأمين اللغوية ومن الشركات الأجنبية مباشرةً نظير خدماتهم.

وأخيرًا أتوقع وفق هذه الخطة التي تربط النشاطات اللغوية بقيمة مالية واقعية أن تجعل مكانة اللغة العربية تحلّق في كبد السماء عاليًا مما ينعكس على واقعها فتصبح بالفعل دون تنظير ولا مؤتمرات جوفاء ولا دراسات عمياء: لغة علم وخطاب وتجارة وتقنية ومال…مال كثير كثير يتيح لنا فعل كل ذلك للغتنا التي تستحق الأفضل.

شكرًا لقراءة المقال، شاركه من فضلك ولك أجر أو اشترك في رديف ولك أجران.


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: ما رأيك بالخطة أعلاه؟

رأيان حول “كيف تستطيع دول الخليج جني نصف مليار دولار من العربية كل عامين ورفع نسبة العمل عن بُعد للسماء بجرّة قلم واحدة؟

  1. الخطة جيدة ومتكاملة، ويجيب أن يدخل أصحاب البلد أنفسهم في هذا المشروع، بأن يشجعوا الأجانب على الكلام بطريقة فصيحة بدلاً من الكلام معهم وتشجيعهم على تعلم اللغة الركيكة، إذا كان صاحب اللبد يُصر على الكلام بلهجته أو بلهجة عربية فصحى لأجبر اﻷجنبي أن يتكلم بلغة صحيحة

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!