الكُره بصفته هواية على الإنترنت: مجتمعات رقمية مُكرّسة لتأويل كل حركة يفعلها المؤثرون

جمعة مباركة

في نشرة إفري وهي نشرة يكتبها عدة كتّاب، كانوا يكتبون نشرات بريدية منفصلة ثم وحدوا جهودهم تحت مظلة واحدة سمّوها إفري، ومن مؤسسي نشرة إفري -أو لنقل أنها شركة إعلامية الآن- الكاتب دان شيبر وقد ترجم له الزميل مصطفى بوشن من قبل له هذا المقال بإذنه وهو جدير بالمطالعة سيث غودين يكره أن يكون مُنظّمًا [مدونة يونس بن عمارة]

عودة لموضوعنا نقول أنه في نشرة إفري نقرأ مقالًا صادمًا وماتعًا في نفس الوقت يحكي عن أناس يخصصون وقتًا كبيرًا لمراقبة كل خطوة وهمسة وصورة وفعل يجريه المؤثرون ثم يعلقون عليه بحيث يؤولون كل شيء يفعل أحد المؤثرين أو المؤثرات على أنه مزيّف وذو نية خبيثة وأنه تفاخر إلخ…

عنوان المقال: الكره بصفته هواية: نظرة عن كثب على المجتمعات الرقمية التي يحبّ أعضائها أن يكرهوا المؤثرين وكاتبته هي فاديكي أديغبويي FADEKE ADEGBUYI وقد لاحظتُ أنها تكتب بجودة عالية جدًا والمقال هذا مثال على مقال خمس نجوم ومثال يجدر أن يُحتذى به.

على سبيل المثال لنأخذ المطلع وهو يقول:

For every fandom, there’s an equal and opposite anti-fandom.

وترجمته إبداعيًا:

مقابل كل مُعجب مُخلص، هناك معجب مضادّ مساوٍ له ومعاكس لمشاعره.

كما سيسهل عليك أن تلاحظ هذا القالبُ من الكلام يذكرك بقانون نيوتن:

لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار، ومعاكسة في الاتجاه

والقوالب اللفظية يعني هيكل العبارة يوصيك الكاتب جيمس كلير أن تعتمده أحيانًا في كتاباتك كما يلي:

  1. تأخذ اقتباسًا أو مقولة أو مَثَل أو قانون وحبذا لو يكون ذائعًا
  2. تستخرج منه القالب أو الهيكل الذي بنيت وفقه العبارة
  3. تستخدم الهيكل أو القالب فقط وتدرج كلماتك أنت فيه

ولأنه بالمثال يتضح المقال؛ إليك هذه الأمثلة العربية عن تطبيق هذه الفكرة:

أمثلة عربية:

المثال الأول:

  • مثل عربي: الْوَحْدَةُ خَيْرٌ مِنْ جَلِيسِ السُّوءِ
  • قالبه: [ضع هنا كلمتك أنت] خير من [ضع هنا كلمتك أنت]
  • كلامي: البطالة خير من عميل السوء.

المثال الثاني

غلاف كتابي المعنون على منوال عنوان الكاتب باولو كويليو: (اشتره الآن ولك الأجر والمنفعة والمعلومة القيّمة)

عودةً لمقال فاديكي أديغبويي الذي تحدثنا عنه أعلاه فكما قلنا هو مثال جيد على الكتابة الممتازة والعمل المتقن؛ من ذلك:

  • بداية مقال ممتازة وجاذبة
  • استشهاد بقصة مُؤثرة حقيقية من أذربيجان
  • اعتماد على الكتب المتخصصة والبحوث العلمية
  • التجربة الواقعية: دخول الكاتبة في تلك المجتمعات ومحاورة أعضائها ومدرائها (بعضهم حظرها فورًا)
  • خلاصة واستنتاجات ختامية

ولنقتطف كالعادة من المقال ما شدّ انتباهي لكن أدعوكم لمطالعته كله:

مقابل كل مُعجب مُخلص، هناك معجب مضادّ مساوٍ له ومعاكس لمشاعره.

ينظر معجبو ميمي آيكون (Mimi Ikonn) لها على أنها امرأة غنية، تسافر كثيرًا، وتعيش حياتها طولًا وعرضًا. عاشت هذه المؤثرة قصة بطولية في التحوّل من الفقر للغنى، من كونها مهاجرة أذربيجانية إلى رائدة أعمال ذات دخل ممتاز، تقيم هي وزوجها أليكس في لندن مع ابنتهما ألكسا.

بهذا الاعتبار تُعدّ آيكون (Ikonn) نموذجًا مثاليًا عما يبدو عليه أحد المؤثرين عبر الإنترنت… فلديها مثلا 3.5 مليون متابع على أنستغرام ومليون مشترك على يوتيوب وهو دليل على أن قصة حياتها ذات صدىً لدى جمهورها.

لكن على غورو غوسِب (Guru Gossip)، وهو منتدى عبر الإنترنت حيث يجتمع المستخدمون لمناقشة ما نشره المؤثرون والمؤثرات: لا شيء مما سبق ذكره صحيحٌ.

فبالنسبة لمُبغضيها، ميمي آيكون ليست إلا “ميمًا فكاهيًا”، وامرأة نرجسية لا يفصلها على أن تكون مفلسة إلا بضعة أيام. هذه المرأة -يقول مبغضوها- ليست إلا فتاة تتشبث بشبابها الآخذ في التلاشي ومتمسكة بزوج لا يحبّها…

وقد كتب مبغضوها على منتدى غورو غوسِب (Guru Gossip) أكثر من 12,000 منشور يحلل كل خطوة تفعلها ميمي آيكون منذ العام 2016 على الأقل. ناقدين كل فيديو يوتيوب تحمّله وكل منشور أنستغرام ترفعه وكل تصرّف تتخذه.

في هذا المنتدى، كل شيء تفعله المؤثرة آيكون ما هو إلا سبب آخر وجيه لإدانتها (من قبل المبغضين)، من صورها (مثلا يقولون عن أحد المنشورات أنه يُبرز عقدة التفوق التي تعاني منها، ونظرة التعالي التي تنظر بها للآخرين، وأنها تتظاهر بالذكاء -تتذاكى-، بينما هي في الحقيقة ليست إلا حمقاء غبية)، إلى طريقتها في التربية (سيقان ابنتها ألكسا مقوّسة وتعاني لثغة في نطقها لكن ميم -تهكم على اسم المؤثرة ميمي- لن تقرّ بذلك أبدًا) وصولًا إلى شريك حياتها (لنرَ بعد ثلاث سنوات ما الذي سيتبقى لها وكيف سيتصرّف زوجها ‘الداعم’ مع زوجة تنفق معظم وقتها تتسوق وتشتري فساتين مزركشة ولم تعد حتى مؤثرة ذات قيمة أو مواكبة للعصر).

هذه الكراهية، وهذا البغض ليس تعليقًا عابرًا يمرّ أو تنمرًا عرضيًا، ذاك أن مرتادي منتدى غورو غوسِب ليسوا مجرد مراقبين بل هم مُتحرّون. حيث يهرع هؤلاء للسجلّات المتاحة للعموم -المفروض قانونًا على الشركات إتاحتها للجميع- والوثائق الحكومية، مُفتّشين ومنقبين عن أي معلومة أو خبر أو رقم يغذّي نظرية المؤامرة التي ملخّصها أن: ميمي وزوجها ليسا إلا محتالان بارعين يعرضان صورة زائفة عبر الإنترنت بغرض نهب الأموال من كل شخص غبي بما يكفي ليُصدّق قصتهم.

شعار منتدى غورو غوسِب هو “نقاشات بشأن خبراء التجميل على يوتيوب، والمؤثرين والمؤثرات والمدونين المرئيين والشخصيات العامة”. أما عن اتجاه هذه النقاشات فواضح بذاته: فهناك قسم تحت عنوان “اشفِ غليلك (فش قلبك) من خبير على الإنترنت” وفيه 10,799 منشورًا، وهناك قسم تحت عنوان “قُل الخنى بشأن خبير على الإنترنت” (يعني ا#رى عليه افتراضيًا لكني ترجمتها بالخنى لسبب وجيه*) وفيه 1,006,706 منشورات.

حري بالذكر أن ميمي آيكون (Mimi Ikonn) ليست إلا مؤثرة من مئات المؤثرين الذين تدور حولهم النقاشات كل يوم على منتدى غورو غوسِب (Guru Gossip).

ومع أن منتقديها ومبغضيها متفانين في عملهم، إلا أن عددهم أقلّ كثيرًا من أعداد أولئك الذين يجتمعون لمناقشة المؤثرين والمؤثرات الأبرز عالميًا.

في حال خصصتَ وقتًا لمطالعة ما كُتب على غورو غوسِب، والذي يضم مئات الآلاف من المنشورات المتعلقة بمختلف المؤثرين والمؤثرات، سترى أن التفاصيل مختلفة لكن التفكير التآمري الدائر حول كل صانع محتوى هو ذاته نفس التفكير ألا وهو أن هؤلاء المؤثرين والمؤثرات: زائفون، ومحتالون ومتصنّعون…


أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: ما رأيك في النميمة والاغتياب على الإنترنت؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Carsten Carlsson on Unsplash

*سبب اختياري لفظ الخنى قول الشاعر وهو شعر هجائي:

أتاني كلام الثعلبي ابن ديسق – ففي أي هذا ويله يتترع

يقول الخنى وأبغض العجم ناطقا – إلى ربنا صوت الحمار اليجدع

8 رأي حول “الكُره بصفته هواية على الإنترنت: مجتمعات رقمية مُكرّسة لتأويل كل حركة يفعلها المؤثرون

  1. أظنه حسد.. فإذا لم يعجبك أحدهم فلا تتابعه .. إلا في حالة التضليل مثلا: أن يكون أحدهم محتال أو يروج لأفكار خاطئة فيشكر من ينقد (فكره) أما حياته الشخصية فذلك يقرفني .. وفكرة الgossip على المشاهير فكرة سيئة للغاية ومضرة للناس وللمشاهير على حد سواء..

    وبخصوص الأمثال العربية المحوّرة: كتبت قديما هذا المقال
    https://www.watheq.xyz/blog/%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AC%D8%A7%D9%86%D8%A8-%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9

    وتبرع الأفلام/المسلسلات المصرية الكوميدية في تحوير الكلمات والأمثال وحتى الأعمال السابقة (الجادة) لإضفاء أسلوب الطرفة إليها.

    Liked by 1 person

    1. في الحقيقة لا أعرفها وحتى لما ترجمت المقال لم أدخل لحساباتها أصلًا لكن من ناحية الريادة والمال نعم إن شاء الله يعطينا الله أكثر منها بالحلال ومن فضله لكن شخصيا لن أتاجر بحياتي الشخصية أو العائلية من أجل المتابعين

      إعجاب

  2. أظن أن من يغتاب المؤثرين أو الأشخاص عموما على الانترنت “فارغ شغل” وليس له حياة خاصة يفكر كيف يقضيها على العكس يفكر كيف يعيش هؤلاء ويحلل ويناقش وهذا دليل على حسد أو غيرة مثلما ذكر أستاذ واثق، المهم الله يشغلنا بأنفسنا.

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!