رسالة مفتوحة إلى طالب الرفاعي ومنه للكتّاب العرب جميعًا

مرحبًا بكم مرة أخرى يا أصدقاء!

تقول الرسالة: رجاءً وحبًا لله اعتنقوا الثورة الرقمية، فإنها لا تعني التخلي عن الورقي.

ما من مؤشر يدلّ على تناقص الكتب الورقية، بل الدلائل تشير للعكس، وإن كانت أمازون قد يسّرت الوصول للكتب إلا أنها ضرّت الكثير من محلات الكتب والمكتبات ونفعت للأمانة الكثير منهم، ثم خرج لنا موقع Bookshop.org الذي سدد ضربات موجعة لأمازون وها هو في ازدهار وانتشار وإن كنا إزاء معركة تشبه التي جرت بين سيدنا داوود عليه السلام وجالوت إلا أن الخبر السعيد هو أننا جميعًا نعرف من انتصر في تلك المعركة.

لقد تابعت الكثير من الغربيين الذين بدل الاتكاء على التمنيات مثلنا يدعون لشراء الكتب من بوكشوب دوت أورغ وليس أمازون؛ ففعل الكثيرون وازدهر الموقع ولم يقولوا دون فعل: أوقفوا إضرار أمازون بقطاع النشر، ووضعوا رجلًا فوق رجل. بكسر الراء إن كنت تسأل… فما شهر الفخر الملون منا ببعيد.

بدايةً مستعينًا بالله أقول: سبب كتابة هذا المقال هو مقال كتبه الكاتب الكويتي طالب الرفاعي وعنوانه بيان كاتب عربي! ونشرته جريدة الجريدة الكويتية.

مع ذلك وللأمانة لم أر أي خطوات عملية من معشر الكتّاب العرب السابقين للميدان (بما فيهم الأستاذ طالب نفسه) لتبني سُبُل مُطوِّرة لصناعة النشر التي يٌعدّ الكاتب قلبها النابض ومحرّكها الدافع.

تصوّر معي في حال اعتنق كاتب بخبرة الأستاذ طالب الرفاعي وأقدميته والأهم: علاقاته، النشر الرقمي لجانب الورقي؛ ففي تصوري سيحدث وإن  ببطء ما يلي:

  • تقبل جمهوره -وإن ببطء- موضوع شراء منتجاته هو (رواياته وكتبه) عبر الإنترنت رقميًا وبضغطة زر ودون انتظار شركة شحن سيئة السمعة.
  • تسريع عملية التحول الرقمي في دور النشر العربية إذ سيحفزهم نجاح طالب الرفاعي رقميًا فضلا عن توجهات السوق الحالية إلى المبادرة وتوفير نسخ رقمية من نتاجهم وإطلاق هذا القطاع وبالتبعية: ازدهاره.

لا أدري إن كان بعض الناشرين الذين يتعامل معهم الأستاذ طالب الرفاعي يوفرون كتبه رقميًا لكن هذه معلومة غير مهمة كثيرًا لرسالتي هنا. ذلك أنه حتى لو وجدت فهي غير كافية دون تبشير بها وحثّ عليها وتسويق واضح ومباشر لها.

كي لا نطيل الحديث سأجعل مطالبي في نقاط؛ وهي موجهة لكتاب من مستوى طالب الرفاعي وسنه وخبرته.

  1. لا بد أن يبشّر الأستاذ طالب الرفاعي وإخوانه بالتحول الرقمي في قطاع النشر ويمارسونه عمليًا هم أنفسهم أو بواسطة؛ فما أكثر شبابنا المتمرس بالتقنية والجاهز للتعاون مع من يحترمه ويرشده وبنهل من خبراتهم غير التقنية فيحدث التكامل المنشود.
  2. مُحاربة الأفكار النمطية السائدة وغير الصحيحة والمخالفة للواقع قولًا وعملًا مع تذكيرٍ دائم للجمهور بخطأها ومنها:
    1. العرب لا يقرأون
    2. قطاع النشر قطاع كله خسائر مادية
    3. الكتابة حرفة الفقراء
    4. فكرة أنه ينبغي على الكاتب أن يربح فقط من الكتابة وحسب مع أن المجالات واسعة: تبني مسرحي، تبني كرتوني، نشرات بريدية، رعايات، إعلانات ولم لا، وبودكاست، وكتب صوتية، وأدب رقمي تفاعلي بصورة ألعاب نصيّة…إلخ
  3. نحن في عصر سقطت فيه الوسائط وحرّاس البوابة (middlemen & gatekeeper)، بمعنى أن الكاتب فعليًا ليس بحاجة لناشر كي ينشر، والأمر ليس متعلقًا بقطاع النشر فقط. لأن المنصات التقنية زعزعت القطاعات كلها تقريبًا ومن أهم نتائج الزعزعة: سقوط السماسرة بين المُنتِج والمستهلك. فعلى الكاتب أيضًا أن يمضي نحو هذا الاتجاه وسلاسل الكتل (بلوكتشين) قادمة لتقضي كليًا على ما تبقى من وسائط وحرّاس.
  4. الإيمان بأن الكتابة مهنة حقيقية ذات أبعاد عمليّة ومالية والتعامل معها على ذلك الأساس، وعلامات وجودها كمهنة ازدهار الوكلاء الأدبيين، في حال لم يكونوا موجودين لدينا لا بد أن يضحي البعض بفتح هذا المجال قدّام الآخرين، الحقّ أقول لكم لو أني كاتب وربحت جائزة مُجزية لخصصت مبلغًا منها لفتح وكالة أدبية حتى لو مُنيت بالفشل، فلكل مجال رائد ولا بد من تمهيد الطريق وشقّه أمام الأجيال القادمة؛ ومن علامات اتخاذ الكتابة مهنة بجدية أيضًا الاعتناء بالتسويق من الكاتب نفسه لا الدار. فيستعمل الكاتب منصته (جمهوره) للنهوض بالقطاع من خلال اعتناق الثورة الرقمية والحثّ عليها قولًا وعملًا.
  5. العمل على تقويض أسباب البطء  الشديد في نجاح النشر الرقمي في الوطن العربي ومن بينها:
    • فجوة بحجم الأخدود العظيم بين ذوي الخبرة من الكتاب والشباب منهم
    • تَمنُّع ذوي الخبرة حتى الآن من القبول التام لأنماط النشر الجديدة واعتناقها والتشجيع عليها والتي لا تقتصر على الورق والقنوات (أي أماكن النشر) المعتادة

هذه هي أبرز مطالبي، ودعنا الآن نناقش بعض ما ورد في مقال الأستاذ طالب الرفاعي ونعلّق عليه، فيقول الأستاذ:

لذا، أرى ضرورة أن يقف المبدع/ الكاتب العربي أمام نتاجه السابق، ويعيد حساباته فيما سيكتب، شكلاً ومضموناً، فمثلما جاء كورونا بـ “جديد معتاد -New Normal”، وأجبر البشر على إعادة برمجة مسلكهم الإنساني اليومي، بما يتلاءم مع المستجدات العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، فإن هذا الجديد المعتاد يجب أن يكون حاضراً في فكر ونتاج الكاتب العربي.

أولًا أشكر الأستاذ على ترجمة كلمة (New Normal) للجديد المعتاد مع أنها تحمل تناقضًا لأول وهلة إن فكّرت فيها، وأعتبرها ترجمة إبداعية راقية. ثم يقول:

ولذا، فإنني أنطلق بشكل شخصي لطباعة روايتي الأخيرة، التي انتهيت توّاً منها، بالاتفاق مع عدد من الناشرين العرب، حيث يغطي كل ناشر محيطة المحلي: الكويت، والسعودية، ومصر، ولبنان، وسورية، والعراق، والإمارات، وسلطنة عُمان، والأردن، والمغرب العربي، ويطبع كل ناشر 500 نسخة وتُوزع الرواية متزامنة لتكون في متناول القارئ العربي في كل الأقطار العربية، وبمجموع 5000 نسخة، وهذا عدد يحلم بتوزيعه كل كاتب عربي.

أعلنها صريحة: “لا أريد مردوداً مالياً يثقل على أيّ ناشر، ولن أشارك أي ناشر ربحاً، يكفيني 20 نسخة من كل طبعة، ويكفيني جداً، النسبة التي يقررها الناشر ويرى أنها عادلة بإعطائي حقي، بعد أن يبيع نسخ الكتاب!”

المفترض ألا يتيح الكاتب نتاجه مجانًا لا سيما إن كان يؤمن به. وحتى لو كان الكاتب نفسه لا يحتاج أي مال، فهذا ليس موضوعنا. إن التمسك بالحقوق المالية يبث ثقافة صحيحة في قطاع النشر. وكل هذا العناء في نشر الكتب خففته التكنولوجيا فأين حظك منها؟… ثم قد كتب طالب الرفاعي قبل هذا:

لأنّ اتصالي ببعض الزملاء الناشرين، في أكثر من قطر عربي، خلال الأسبوعين الماضيين، أوضح لي شكوى مريرة منهم، تجاه الدمار الكبير الذي خلّفه “تسونامي كورونا”، مما أوصل بعضهم إلى حال إغلاق دور نشرهم ومكتباتهم، وجعلهم، في أفضل الأحوال، أكثر حذراً في تعاملهم مع المنتج الإبداعي.

إن كان ذلك كذلك. فلنحاول الإجابة عن هذه الأسئلة:

  • لماذا هناك دور نشر منذ الثمانينات بل وقبلها ومرت الأزمات الطاحنة والحروب المُفجعة ولا زالت موجودة مع أني كشخص تناهى إلى علمي شركات كبرى تنهار وتفلس منها شركة واير كارد للخدمات المالية وركز معي هنا نحن لا نتكلم عن شركات تبيع كتب بل كل عملها يتمحور حول المال. وأقول صادقًا أن عدد الشركات المادية التي تبيع الخرسانة أو المنتجات الواقعية تفلس أكثر من دور النشر فإنك نادرًا ما تسمع عن إفلاس حقيقي لدار نشر في الوطن العربي.
  • إن كانت الكورونا حطمت الكثيرين (وأصحاب دور النشر ليسوا استثناء) لماذا ازدهرت مثلا دار خطوط في عز الكورونا؟ طالع إن شئت “خطوط” بزمن كورونا.. النشر ركيزة أساسية لأي مشروع حضاري
  • حتى لو صدق الكلام أعلاه بشأن إفلاسهم، وهو غير دقيق على أية حال. لماذا لم يذهبوا كأي قطاع آخر للتحول الرقمي أو على الأقل يحاولون فعل ذلك محاولةً؟

بقول هذا نصل إلى أن الحل موجود إن طبّقنا توصياتي أعلاه التي سردتها في 5 نقاط واضحة. وها هنا اعتراضات قد تبزغ والردّ عليها.

اعتراض 1: لكن العرب لا يدفعون مقابل المحتوى

دعني أولًا أوضّح لك وضعي والذي يشبه وضع الملايين من الكتّاب العرب، وهو أنني عكس الأستاذ طالب الرفاعي الذي يقول ضمن المقال أعلاه أنه «موجود منذ ما يزيد على أربعة عقود في عالم الكتابة والنشر، وتربطني علاقات واسعة جداً مع عدد كبير وكبير جداً من زملائي الكتّاب العرب…»، أقول أن:

  • عمر دخولي للميدان لا يتجاوز العشرة سنوات.
  • ليس لدي علاقات مع عدد كبير جدًا من الأشخاص في المجال.
  • لا أملك ولا حبة من فيتامين واو -أي الواسطة- في أَجْزاخانة منزلي.

مع ذلك وعندما أطلقت روايتي إيفيانا باسكال رقميًا بعد فشلي في إطلاقها ورقيًا حققت حتى الآن 70 مبيعة بسعر 10 أو 12 دولار للنسخة الرقمية حسب المنصة التي تشتريها منها. ما يعني إجمالي 700 دولار في بضعة أشهر ولا زالت تبيع حتى الآن. وهذا مع خصمي للنُسخ التي اشتراها الأصدقاء فعليًا فإن خصمت أيضًا نحو 200 دولار كتكلفة تصميم غلاف وتنسيق داخلي وتصحيح لغوي، ورسوم للمنصات صار لديك 500 دولار ربح صافي وهو مبلغ لا بأس به في الوطن العربي.

متابعة في الرد على هذا الاعتراض وقبل أن أحتج أن العرب يدفعون فعلًا للمحتوى عالي الجودة وتردّ علي بقولك أن النصي لا يدفعون فيه، أخبرك أنه حتى النصي يدفعون فيه وهناك أمثلة عديدة على ذلك من بينها: شبكة الحدود، جريدة القبس الكويتية، صحيفة النهار، وجريدة توالى الجزائرية…

قد تسأل مندهشًا: لكن أين الأدب الخالص؟ أجيبك أن هذا المقال ذاته دعوة لفتح هذا القطاع فهو ليس مختلفًا عن غيره كالصحافة والبودكاست والمرئيات. إنني أكتب هذا المقال بالذات بمثابة دعوة مُحفزة وحثًا على الإسراع بتمكين هذا القطاع وجعله واقعًا ملموسًا ودعم ما سبق فليست الصحافة مثلًا في حالٍ هي غنية عن الدعم فيه.

إضافة لتجربتي أعلاه هناك تجربة عبدالله السلوم وهي  «سلطان نجد».. ثالث أكثر الكتب مبيعاً على «أمازون» [القبس الإلكتروني]

اعتراض 2: لكن العرب لا يريدون دعم المفكرين والكتّاب ماليًا

نحن لم نجري استبيانًا لنتأكد من ذلك، مع ذلك هناك دلائل أن العكس هو صحيح، وها هنا تبرز قصة الكاتب نزيه أبو نضال الذي عرض مكتبته للبيع ليستعين بها على تكاليف الشيخوخة، قرأت قصته قبل أن يساعده الناس في جريدة الغد؛ ثم قرأت بسعادة استجابة الناس لحالته ورفده بما يحتاجه كما تراه في مقال الجزيرة.نت، بارك الله فيمن ساعد وقدّم يد العون. لكن هذا كما قال نزيه نفسه -بما معناه- أن هذا لا يلغي المشكلة لوجود عدد آخر من المثقفين والمثقفات من العرب لم ينالوا حقوقهم بعد. وقلت في تدوينة سابقة ما يحسُن نقله هنا برمته لتعلقه بالموضوع:

شخصيًا كشاب عربي (عمري 29 لكن أشك أني شاب لظهور الشيب في لحيتي)، أتابع أخبار التقنية ليلَ نهار، وأسمع عن النجاحات الكاسحة التي تحققها منصات دعم صنّاع المحتوى مثل باتريون وأونلي فانس، وغيرهما الكثير (هناك حرفيًا العشرات من هذه المنصات بل المئات) ولا وجود لمنصة عربية حد علمي تقوم بمهمة حقيقة تسد هذه الثغرة: منصة تمكّن صناع المحتوى العرب لا سيما صناع المحتوى النصيّ منهم مثل الكتّاب والمترجمين من تلقي الدعم والتبرعات والرعايات وجني الأرباح من منتجاتهم الرقمية كالكتب والملفات الصوتية والمقاطع المرئية.

عندما تقرأ قصة نزيه أعلاه ستجد أن البيئة مهيئة فعلًا وما ينقصنا هو المنصة التقنية التي ترفد هذه البيئة، وأضيف الآن دعمًا من كتّاب كبار سنًا وقدرًا مثل الأستاذ طالب الرفاعي يدعون لهذا النهج بحماس وقوة. فمثلًا نستنتج من القصة:

  1. الناس (والعرب نعم العرب) يرغبون فعلًا بدعم صنّاع المحتوى ماديًا (نزيه كاتب وباحث ومثقف وهذا يعني أنه صانع محتوى وله كتب وإنتاجات)
  2. لا توجد حتى الآن آلية تقنية واضحة تمكّن العربي (لا سيما من يحتاج منهم لمنصة ذات تصميم بسيط وسهل وبلغته العربية) من دعم من يحبه من صناع المحتوى (قد تقول هناك في يوتيوب وغيره أجيبك هناك فعلًا لكن تجربة المستخدم والآلية غير واضحة أضف إليها مدة انتظار تسلم المستحقات فمنصة مثل اشتر لي قهوة (باي مي آ كوفي) تحلّ مشكلة الانتظار بأنه لا انتظار لتسلم مستحقاتك أساسًا…)
  3. لا يوجد ما يكفي من حلول مالية بنكية عربية موحدة وإن كانت هذه المشكلة مبدئيًا أخفّ من الأوليين لأن الكثير من العرب في الغربة وحتى في الداخل لديهم بطاقات بنكية فعّالة والشمول المالي وإن كان يسير ببطء السلحفاة في وطننا العربي إلا أنه يمشي على أية حال.
  4. المشكلة ليست تقنية أو تتعلق بالحلول البنكية فحسب: بل نفسية وأخلاقية. من المؤسف أن أقول أن بعض المثقفين العرب لا خلاق لهم. ودليل ذلك أنك عندما تقرأ قصة مثل هذه المترجم الأردني إلياس سعيد: أن تعيش إلى النهاية بلا دخل ثابت [حبر] سترى أن الرجل ورغم أنه كان -رحمه الله- في حالة مزرية ويحتاج لعملية سريعًا إلا أن بعضهم (سامحه الله) عطّل صرف المنحة والمساعدة له. وهذا لا يعني إلا شيئًا واحدًا: أن القلب غير رحيم والخلق الحميد غير موجود في ذاك الشخص الذي عطّل المساعدة مهما كانت التبريرات التي سيطرحها إرضاء لضميره والناس.

*بالمختصر المفيد تعريفُ اقتصاد صناع المحتوى ما تقرأه أدناه:

اقتصاد صنّاع المحتوى، الذي يسمى أحيانًا اقتصاد الشغف، هو ضرب من الأعمال التجارية المتمحور حول صنّاع المحتوى المستقلين، ومُنتقي المحتوى، وبُناة المجتمعات بما في ذلك المؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، والمدونين، ومُنتجي المقاطع المرئية، يُشمل هذا الاقتصادُ أيضًا الأدوات البرمجية والمالية المصممة خصيصًا لمساعدة من سبق ذكرهم على النمو وتحقيق الأرباح.

 خريطة سغنل فاير لسوق اقتصاد صناع المحتوى [SignalFire]

اعتراض 3: لكن دراهمك المعدودة من النشر لا تفعل شيئا للكُتَّاب في الخليج

بداية أوصي الكاتب الخليجي الذي يقرأ هذا بمنهج التقليلية في العيش فهو نافع، فضلًا عن هذا ما لا يمثّل لك مبلغًا أصلًا قد يمثل مبلغًا لا بأس به للكثيرين من إخوانك الذين صرفت حكومتك الطيبة المال للتلاعب… [أو دعنا من السياسة…]

صحيح أن لدي خيالًا يسع الكونين لكني واقعي للغاية وأعيش في العالم الذي يعيش فيه كثير من المطحونين وممن سماهم فرانز فانون المعذبون في الأرض، لذا أقول أن مثل هذه المبالغ التي ذكرتها عن إيفيانا باسكال تنقذ أمثالي من أن ننتحر لأننا لا نستطيع شراء منقوشة لبناتنا مثلًا أو نبيع القهوة في عربة صغيرة (وما من عيب في ذلك أبدًا) أو رفع لافتة صغيرة نطالب فيها بتوفير فرص عمل أو نعرض مكتبتنا للبيع لنستعين بها على أعباء الشيخوخة أو نبيع كتبنا على قارعة الطريق لنعيش.

لذا أقول لمن سيطرح هذا الاعتراض دعنا أولا لا ننتحر بسبب غير إنسانيّ ثم سنجد الوقت لنتمنى شراء بيت الأحلام من ريع كتابتنا.

اعتراض 4: لكن بيع الكتب لا بد له من متابعين بالملايين!

اسأل أي خبير تسويق يحترم نفسه -ولحسن الحظ  أجريت عدة لقاءات مع بعضهم في بودكاستي يونس توك وذلك لأرفع حهلي في مجال التسويق ككاتب وأوصيك بفعل المثل- فسيخبرونك بأن هذه المعادلة صحيحة دومًا:

عدد المتابعين ≠ عدد العملاء الفعليين.

ولهذا صرّح الكثير من المسوقين أن تعاقدهم مع المؤثرين الحاصلين على ملايين من المتابعين كان إهدارًا للمال الذي كان يصل لعشرات الألوف [ضع هنا العملة المناسبة] ولهذا السبب بالذات عمدت أنستغرام إلى إطلاق مزايا تتيح إنشاء برامج تسويق بالعمولة، كي يكون الترويج وفق النتائج لا أرقام المتابعين التي قالت بعض الأخبار التقنية أن أكثر من ربعهم لدى بعض المؤثرين ذوي ملايين المتابعين ما هم في الحقيقة إلا حسابات مزيفة.

ولهذا أجزم (مع أن ليس لدي أرقام) أن مبيعات هاروكي موراكامي من الكتب أكثر من مبيعات مستغانمي مع أنك كما ترى الأول له نحو مليونان ونصف تقريبًا من المتابعين والأخرى لديها -حتى كتابة هذه السطور- أكثر من 12 مليون متابع، ومتابعة لكي لا يغضب المناصرون للجندر.

وصل المقال بحمد الله إلى 2000 كلمة مع ذلك لا زال لدي الكثير لقوله وتفصيله في النقاط التي ذكرتها لكني فكّرت ووجدت أنه عادة الاستطراد لدي ستجعله كبيرًا للغاية حيث لا يمكن قرائته في جلسة واستيعاب ما فيه من روابط وإحالات. لهذا عزمت على نشره الآن وسألحقه بتغريدات مُتممة تشرح بعض نقاطه أكثر وإن شاء المولى عملتُ قسمًا هنا سميته تغريدات مُتممة، ليلتقط القارئ (والقارئة) صورة أشمل عن الموضوع.

أسأل الحق عزّ شأنه أن يمنحكم ما في قلوبكم وأكثر.


حقوق الصورة البارزة: Photo by jarrah mayyal on Unsplash

10 رأي حول “رسالة مفتوحة إلى طالب الرفاعي ومنه للكتّاب العرب جميعًا

      1. بالتأكيد.. هناك مقولة منسوبة لماكس بلانك لم أتأكد من نسبتها: أن تغيير الأفكار ليس بسبب تقبّل الجيل القديم لها، بل بسبب وفاته وولادة جيل جديد.

        Liked by 1 person

          1. القضية ليست بهذه الصرامة.. لكن الأمور فيها تمويجات .. والتقنية سريعة التقلب وزعزعت وتزعزع الكثير من القناعات بسرعة هائلة..

            Liked by 1 person

  1. شكرا أستاذ يونس على المقال القيم،
    ولكن ماذا لو تم ترخيص الدخول إلى منصة باتريون في الجزائر دون الحاجة إلى vpn ألن يكون ذلك مفيدا لصانع المحتوى أو الكاتب نفسه والداعم؟ لماذا هي غير مرخصة؟

    Liked by 1 person

    1. أعتقد أنها أغلقت مؤخرًا لأنه من فترة كانت تعمل عندي وفعلا لا أدري لماذا ليست مرخصة… لكن حتى لو كانت هي خيار غير جيد لأن عمولتها مرتفعة..الآن يوتيوب نفسه يتيح خاصية الانتساب وهي تشبه ما يقدمه باتريون كثيرا المشكلة ليست في المنصات هنا فقط بل في الثقافة السائدة ..لا بد من خلق ثقافة تعاون ودعم ثم ننشئ منصات مناسبة لنا

      Liked by 1 person

شاركني أفكارك!