ما الذي استفدتُه من قراءة مقال ممتاز عن مالكولم غلادويل نُشر في فايننشال تايمز؟

رمضان كريم،

قرأتُ هذا المقال الماتع في صحيفة فايننشال تايمز مالكولم غلادويل يُصرِّح «الخيرُ أن تتغير كتاباتي بمرور الزمن، أو إني إذًا لفاشل»: يتحدث الصحفيّ الذي يحوّل الأفكار الكبيرة لكتبٍ من الأكثر مبيعًا عن الجريمة وتحدي الأعراف وتغيير آرائه [Financial Times] وأعجبتني بعض النقاط، فارتأيت أن أشارككم إياها وما استفدته منها:

نشأ مالكولم غلادويل في كندا مع أمٍ جامايكية اختصاصية في معالجة الأمراض بالتأثير النفساني (psychotherapist) وأبٍ بريطاني عالم رياضيات.
يُفضِّل مالكولم التعلّم من الكتب أكثر من المدرسة، وقد سمحت له أمه بتفويت الحصص الدراسية كما شاء، لأنها كانت على يقين من أنه سيكون بالبيت يقرأ.

ارتاد مالكولم الجامعة في سنٍ صغيرة، وهو ابن السادسة عشرة ربيعًا، وببلوغه الثالثة والعشرين بدأ العمل كمراسلٍ صحفيٍ لدى صحيفة الواشنطن بوست، حيث كان مكتبة في غرفة الأخبار على بعد بضعة أمتارٍ من مكتب بوب وودوارد (Bob Woodward).

بهذا الصدد قال مالكولم «أن أعظم مراسل صحفي في جيلي كان أمام ناظريّ، ولم يسعني إلا أن أراقبه، لقد تعلمتُ من الإصغاء. وكانت تجربة تعلمٍ لا تقدّر بثمنٍ»

الفائدة:

  • إن استطعت أن تعمل صحفيًا أو حتى مراسلًا متطوعًا أو ضمن ما يسمى صحافة المواطن ستتحسن كتابتك وتتكون لديك خبرة عظيمة بالبشر والأحداث. إن كنت عربيًا ولك صلة بالصحافة انتهز هذه الفرصة الحديثة [شكرًا ميساء الخضير]
  • إن كنتَ أبًا أو أمًا: إن أنجبت ابنًا يحب المطالعة ويتهرب من المدرسة ليقرأ الكتب في منزلك. دعه. هو لن يؤذي الناس. واسجد شكرًا لله على ذلك.
  • تعلم ممن سبقك في الميدان وانهل من خبراتهم.

انتقل غلادويل لمدينة نيويورك عام 1996 وبعد فترة وجيزة من انتقاله هناك كتب مقالتبن أصبحتا الأساس الذي بنى عليه كتابه الأول.
وقد حقق كتابه الأول نقطة التحول [مُترجم للعربية]، الذي رصد فيه عن كثب اللحظة الحاسمة التي تتحول فيها التصرفات الفردية لحركات اجتماعية واسعة الانتشار، نجاحًا باهرًا حيث بِيع منه ملايين النسخ، وأسس صنفًا قائمًا بذاته من صنوف التاليف.

الفائدة:

  • تستطيع دائمًا أن تؤلف كتابًا انطلاقًا من مقالات.
  • إن استطعت، عش في مدينة كبيرة ذات تاريخٍ وحركية عالية واقتصادٍ حيوي.

من باب الطرفة
تَعلَقُ كتابات غلادويل بالذهن، فقد كتب غلادويل مقالة عن الكاتشاب، فقالت إحدى القارئات أنها لم تعد قادرة أن ترى قارورة هاينز (علامة للكاتشاب) دون أن تفكر بوجه غلادويل.

«إن امتدت كتاباتي عن الجريمة [والمواضيع الأخرى] لما يقرب من خمسة وعشرين عامًا، فخيرٌ لي أن يطالها التغيير، أو أنني سأُعد [مفكرًا] فاشلًا. الأدهى من الفشل أني سأكون متزمتًا ذا ذهن منغلق».

  • لا تخشى من تغيير آرائك ورؤاك.
  • غلادويل يميل كثيرًا الآن لتأييد فكرة إلغاء السجون لكنه لا يدري بعد ما البديل. [لا يظهر هذا الرأي في الاقتباس أعلاه لكنه موجود في المقال]

غيّر البودكاست [لدى غلادويل بودكاست ناجح جدًا دخل موسمه السادس الآن مع عدد استماعات مليونيٍّ] طريقة تأليف غلادويل لكتبه.
ويقول بهذا الصدد «عندما كنتُ أصغر سنًا، كنت دائمًا ما أخطيء بالتسرع وإتخاذ موقف أثناء كتابة تقاريري الصحفية. لكن الآن أنا أكثر مرونة ذهنية وانفتاحًا عقليًا، والبودكاست ساعدني في هذا للغاية. وأدركتُ أن البودكاست عمل جماعيّ، وليس كالكتابة فردية. والوظيفة المذهلة لوجود فريق هي أن ردات فعلهم تمنحك فرصة لتراجع آرائك وتُنقِّحها وتبدأ من جديد بتكوين رأي آخر. إنه ضغطٌ ممنهج غرضه إبقاء ذهنك مرنًا ومنفتحًا»

الفائدة:

  • يظن بعض المدونين أن البودكاست موضة ولا ينبغي أن تجري وراء الموضات [ما جمع موضة أساسًا؟] لكن الحقيقة أن البودكاست مهم بسبب أنه عمل جماعي ويتيح لك آراء مختلفة، وأنه سيجعل كتاباتك أفضل وأدق. لذا إن كنت كاتبًا وقادرًا على ذلك أطلق بودكاست.

عما يتحدث أحدث كتاب لغلادويل؟

ليس كتاب «مافيا قاذفة القنابل» مثل كتب غلادويل السابقة: مجموعة قصص حول موضوع معين.
بل هو قصة واحدة حقيقية، عن مجموعة من الطيارين الأمريكيين يقودون مقاتلاتٍ خلال الحرب العالمية الثانية.
في القصة، يكمن أشدُ توتر ما بين جنرالين: هاييود هانسل (Haywood Hansell) الذي يؤمن بالقصفِ الدقيق، وبذل ما في الوسع لعدم قتل أي مدنيٍ كلما كان ذلك ممكنًا؛ وكورتيس لُو ماي (Curtis LeMay) الذي حلّ محل الأول، والذي بدأ ودون تمييز بقصف المدن اليابانية بالناپالم (napalm) يحدوه اعتقاد أن هذا القصف من شأنه إنهاء الحرب أسرع والذي بدوره بالنهاية سيؤدي لحفظ الأرواح.
بالكاد يتذكر التاريخ الجنرال هانسل، فيما يذكر لو ماي بصفته بطلًا انتصر في الحرب.
يصف الكتابُ الرجلين بعيوبهما وفضائلهما، ويذكر المحاسن والمثالب. وفي المقدمة يسأل غلادويل القارئ: لأي طرف ستنحاز؟

وعندما سألت كاتبة المقال ليله غلادويل نفس السؤال أجاب «صعب حقًا أن تقرر من كان على صواب، إنها لقضية ليست بالسهلة وأكثر عمقًا من أن يُبتّ فيها بيُسر، بمُكنتك الجلوس وحشد الحجج طوال اليوم تنتصر فيها لطرف على آخر…لكن هذا لا نفع فيه..قلبي ولا ريب مع هانسل، وأنّى لي ألا أفعل؟ إن قلبك ولا شك سيميل للجنرال هانسل، ولن يميل أبدًا للجنرال كورتيس لُو ماي، لكنك تستطيع الإعجاب بلُو ماي لإيجاده مخرجًا لنا..
أحب عالَمًا يعيش فيه أمثال هانسل ولو ماي في ذات الوقت، وأن يكون لهما رأيهما المختلفين عن قصدٍ. هذا ما أريده، أريد كلاهما.
إن عالَمًا دونهما يبث شيئًا من الرعب في قلبي، يُخيفني هانسل لأنني أتسائل ما إن كانت الحرب ستنتهي حقًا؟، ويخيفني لُو ماي لأنني أتسائل ما إن كنا سنرتكب فظائعَ لا إنسانية ذات خطرٍ أثناء سعينا لتحقيق أهدافنا. لهذا أرى أننا بحاجة لكليهما: هانسل ولو ماي»
أشارت كاتبة المقال ليله لأنه لربما داخل كل واحد منا هناك هانسل ولو ماي، وأومأ غلادويل وليله موافقين على ذلك. ثم أخبرته ليله أنها مندهشة لأن أعماله أصبحت أكثر عاطفيةً.

ادعم استمرارية هذه اليوميّات برعاية المحتوى الذي أصنعه، طالع تفاصيل الرعاية في هذا الملف؛ أو تصفّح هذا الرابط.

أعجبك ما أصنعه من محتوى؟ تواصل معي الآن عبر واتساب. اضغط على الزرّ الأخضر


يونس يسأل: هل ستختار الجنرال هانسل أو الجنرال لُو ماي؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Matthew Guay on Unsplash

8 رأي حول “ما الذي استفدتُه من قراءة مقال ممتاز عن مالكولم غلادويل نُشر في فايننشال تايمز؟

شاركني أفكارك!