ما هي نِسَب القراءة في الوطن العربي؟

حُدّث المقال بتاريخ: 14 مارس 2022

حيّاكم الله، وعساكم بخير وعافية.

من الأمور التي تتكرر في الرأي الثقافي العربي أن العرب لا يقرأون وأن نِسب قراءتهم غاية في التدني. لكن أهذا صحيح أم أنه مبني على إحصائيات قديمة وانطباعات عارية عن الصحة؟

المشكلة أن نشر مثل هذه الانطباعات التي تشير إلى التدني الشديد لقراءة العرب صدرت من مثقفين لهم شهرة في الوسط الثقافي ما يجعل خطأهم أكثر انتشارًا وموثوقية. على الرغم من حسن نيتهم وتحسرّهم على نِسب القراءة المتدنية لكن هذا لا يجعل الخطأ صحيحًا، والاعتماد على الإحصائيات الدقيقة هو ما سيدلنا على مكامن الخلل ومعالجتها معالجة صحيحة.

سنعرض بعض الأمثلة على ما ذكرناه:

  1. في مقال “هل هناك صناعة كِتاب في العالم العربي؟ (1)” قال الكاتب عز الدين بوركة“وجاء في “تقرير التنمية البشرية”، الذي نشرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونيسكو” عام 2003، أن المواطن العربي يقرأ في السنة أقل من كتاب بكثير، فكل 80 شخصاً عربياً يقرأون كتاباً واحداً في السنة”.
  2. في مقال “من يقرأ الأدب في مصر..؟!” قال الكاتب علاء الأسواني: “لقد جاء مثلاً في “تقرير التنمية الثقافية” لعام 2011 الصادر عن “مؤسسة الفكر العربي” أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً”.
  3. وفي التغريدة المثبتة للدكتور محمود الضبع وهو دكتور متخصص في الدراسات الثقافية، كلية الآداب، جامعة السويس. يقول في لقاء تلفزيوني: “نسب القراءة في الوطن العربي لا تزيد عن ١٪ مما يحدث في العالم. بشكل أكثر دقة: كل ٢٠ عربي يقرأ كتابًا في السنة، في مقابل فرد واحد يقرأ ٧ كتب في السنة في فرنسا مثلًا…”. [ملاحظة: حُرّر هذا النص ليكون أوضح عند القراءة وليس هو ذات حديث الدكتور في اللقاء].

هل هذه الرؤى صحيحة؟

نقول: إن الإحصائيات التي وردت في الأمثلة السابقة -على فرض دقتها العلمية- هي إحصائيات قديمة مثل ما ورد في المقال الأول حيث كانت الإحصائية في العام ٢٠٠٣م، وحتى الإحصائية الثانية الصادرة في عام ٢٠١١م هي قديمة كذلك. أما الإحصائية الثالثة فلا أعلم مصدرها.

ونرد على تلك الإحصائيات وغيرها بمؤشر القراءة العربي في ٢٠١٦م، وهي دراسة رصينة محكّمة شارك فيها أكثر من ١٤٥ ألف مواطن من كافة الوطن العربي، وخلاصة الدراسة أن متوسط قراءة المواطن العربي هو ١٦ كتابًا في السنة، وغيرها من الإحصائيات الأخرى التي تفنّد أكثر الادعاءات بهذا الصدد.

وهذا رابط التقرير كاملًا، وهذا رابط التقرير الملخّص، وهنا قراءة في هذا المؤشر من مركز نماء.

بالمناسبة، فالتقرير فيه فوائد على عدة مستويات: ففيه عدد الكتب المقروءة سنويًا، وعدد ساعات القراءة، واتجاهات القراءة، وإتاحتها، وغيرها من المعلومات المهمة عن القراءة. هذه المعلومات مفصّلة لكل بلدٍ مشارك في التقرير، وفي كل البلدان في المتوسط. هذا التقرير مهم لكل مهتم بالقراءة وأبعادها المختلفة لا عن عدد الكتب المقروءة وحسب، بل عن مختلف ظواهر القراءة والمستند إلى دراسة هي أحدث وأدق ما بأيدينا حتى الآن (بدايات ٢٠٢١م).

طالع أيضًا بهذا الصدد: القارئ العربي وخرافة الست دقائق – ليا كلادويل / ترجمة: وليد المطيري [موقع حكمة]

طالع أيضًا للمزيد من الإحصاءات المشرفة: الرقمنة في خدمة لغة الضاد أ.د أبوبكر خالد سعد الله – مجلة العربية لساني السنة الثانية ع 5 مارس 2021. [مجمع اللغة العربية بالشارقة]

وهنا بالمقابل، آراء إيجابية لنِسب القراءة في الوطن العربي:

  1. في مقال “ملوك القراءة في الهند” للكاتبة فضيلة الفاروق: “تفاجئنا إحصائيات هذه الوكالة العريقة [PR Newswire] لنسب القراء في العالم بأرقام لا تخطر على البال، لتسقط تلك النظرية التي نحملها في رؤوسنا منذ دهر على أن أكثر الشعوب قراءة تتواجد في الغرب، إذ إن أكثر نسبة قراء متواجدة في القارة الآسيوية، تتربع فيها الهند على عرش القراءة بامتياز، بنسبة 10 ساعات و42 دقيقة أسبوعياً للفرد، تليها تايلاند بنسبة 9 ساعات و30 دقيقة أسبوعياً، فالصين، فالفلبين، ثم مصر في المرتبة الخامسة عالمياً، تليها الجمهورية التشيكية، فروسيا، ثم تأتي السويد في المرتبة الثامنة لتتصدّر قائمة الدول الأوروبية القارئة تليها مباشرة فرنساً، في المرتبة العاشرة تأتي السعودية والمجر بنسبة متساوية 6 ساعات و48 دقيقة أسبوعياً، وفي المرتبة 21 الولايات المتحدة وألمانيا بنفس النسبة 5 ساعات و42 دقيقة.. والمثير للغرابة أن لا دول عربية في أفق الإحصائيات على سلم يضم ثلاثين دولة سوى مصر والسعودية..”
  2. يقول الأستاذ سفر عياد بخصوص هذا الموضوع في مجموعة أكاديمية الصحافة على تلجرام: (أصبح اسم المجموعة الإعلام الرقمي) “بارك الله فيك حبيبنا يونس، موضوع مهم جدًا. وأعتقد نظرة سريعة على عدد المشاهدات في قنوات يوتيوب الخاصة بمراجعة الكتب، أو عدد الزوار في معارض الكتاب في الرياض أو القاهرة أو المغرب العربي .. أو نظرة فاحصة على عدد الاستماعات للكتب الصوتية [لدينا ٢٣ شركة عربية للكتب الصوتية]. كلها مؤشرات تعطي دليل واضح على أن الأمة العربية تقرأ والأرقام أكثر من الدراسات التي ظهرت. ربما ليس هناك دراسة حقيقية حتى الآن .. لكن من سيبحث سيجد أرقام ويمكنه تحليل البيانات والظهور بإحصائيات حقيقية تمثل واقعنا”.
  3. ويقول عبدالرحمن الصالح منشئ بودكاست معنى المعنى: “تحياتي أخي يونس على إثرائك، وبقية الزملاء. من أفضل من استطاع تفكيك مقولة أمة اقرأ لا تقرأ والنسب المتداولة للاستشهاد بها الدكتور عبدالله الغذامي في إصداره “الكتابة واليد واللسان” ويشفي صدور القراء العرب الذين يثبتون قراءاتهم واطلاعهم في قوائم القودريدز ومبيعات معارض الكتب وغيرها”.
  4. ويقول الكاتب أحمد خيري العمري في منشوره على فيس بوك: ”في إحصاء نشره موقع (The New Publishing Standard) العام الماضي، وأطلعت عليه اليوم أثناء بحثي عن الأمر: أكثر من 95 % من الجزائريين يحبون القراءة..52% منهم يقرؤون الأدب، واللغة العربية في مقدمة اللغات المقرؤوة تليها الفرنسية ومن ثم الإنجليزية. الإحصاء ونتائجه لا يخلو بالتأكيد من بعض الخلل إذ يقتصر على 1000 شخص فقط وهذا العدد لا يمكن أن يعبر عن شعب يزيد تعداده عن ال 40 مليونا..لكن في الوقت نفسه فأن عدد زوار المعرض تجاوز المليونين، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه سكان العاصمة الملايين الأربعة، وهذا مؤشر آخر يدعم الأرقام السابقة”.
  5. ومن تسجيل من إذاعة القرآن الكريم بالجزائر (عن حالة القراءة بالبلاد) سجلته يوم 17 نوفمبر 2019 يظهر مؤشرًا على نسبة القراءة في الجزائر. هذا رابط التسجيل
  6. وهذا مقال يؤشر على نسبة القراءة في السعودية: “«الثقافة»: ماراثون القراءة يصل إلى 164 ألف صفحة في 8 أيام”.
  7. وهذه مشاركة من صفحة كتبنا على فيس بوك [بالعاميّة المصريّة]: “حابين نشارك معاكم تقرير صدر في أبريل السنادي عملته مؤسسة بريطانية (Global English Editing) عن معدلات القراءة في العالم. التقرير بيقول إن الهند محتلة المركز الأول عالميًا من حيث معدلات القراءة.. المؤشر بيقول إنهم بيخصصوا 10 ساعات للقراءة أسبوعيًا 📚. أما على مستوى الوطن العربي، لبنان احتلت المرتبة الأولى، وفي المرتبة التانية مصر، وبعدهم بالترتيب: المغرب والإمارات والأردن.. المؤشر وضّح أن المصريين بيخصصوا 7 ساعات و30 دقيقة أسبوعيًا للقراءة 🤓. نتمنى إننا نقدر نوصل لرقم أكبر من ده ونبقى في المراكز الأولى عالميًا في السنين اللي جاية 🙏”.
  8. في كتاب Best Seller: حكايات عن القراءة للكاتب سامح فايز الذي يرصد حركة القراءة والنشر في مصر والوطن العربي عمومًا، في مقال: “هل متوسط قراءة العربي ٦ دقائق؟!” صفحة ٣١ يفّند الكاتب في هذا المقال هذه الإحصائية غير الدقيقة والقديمة في عام ٢٠٠٣م، ويذكر في المقال العديد من الأرقام والحقائق التي تدحض هذا الانطباع: من ناشري الكتب، وأسواقها، وموقع Goodreads الشهير لمراجعة الكتب الذي تحتل فيه بعض الدول العربية مراكزًا جيدة في الموقع على مستوى دول العالم.
  9. كتب الدكتور خالد عزب في مقال حديث له عنوانه هل العرب يقرؤون؟ ما يلي: العرب يقرؤون.. هذا ما أذهب إليه وفق معطيات بالأرقام، كان آخرها بحث لشركة ألمانية متخصصة في البيانات والتصنيفات الثقافية مع صحيفة انديبندنت البريطانية حيث جاءت مصر في المرتبة الخامسة دوليا بين الدول الأكثر قراءة بمعدل سبع ساعات ونصف أسبوعيا، فيما جاءت السعودية في المرتبة 11 عالميا بمعدل ست ساعات وست وأربعين دقيقة أسبوعيا، واحتلت الهند المركز الأول، وجاءت تايلند في المركز الثاني، والصين في المركز لثالث، فيما جاءت الولايات المتحدة في المركز الثالث والعشرين، فما الذي أدى إلى هذه النسب المرتفعة في المنطقة العربية، تتفاوت نسب القراءة من بلد عربي لآخر، طبقا لمحفزات القراءة، ففي مصر كان مشروع القراءة للجميع الذي أطلقته الدولة المصرية في تسعينيات القرن العشرين، والذي وزع آلاف الكتب، ولد جيل قارئ جنت ثماره مصر بارتفاع توزيع الكتب مع نهاية التسعينيات وبدايات القرن العشرين حتى رأينا طبعات متعددة من الروايات والكتب بصورة غير مسبوقة.

في الأخير، نود أن يتغيّر الانطباع السائد بالتدني غير الصحيح للقراءة في الوطن العربي وإبداله بالتقارير الأدق، والبناء عليها في تحسين كمية وجودة القراءة عمومًا، بدلًا من الاستناد على الأوهام.


شكرٌ جزيل للأستاذ والزميل واثق الشويطر على تحريره المقال وإخراجه بهذه الصورة الحسنة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Aaron Burden on Unsplash

14 رأي حول “ما هي نِسَب القراءة في الوطن العربي؟

  1. شكرا لك 🙆 للصراحة انا أيضا كنت اتصور ان العرب لا يقرأون انطلاقا مما أراه في محيطي اليومي لكن مؤخرا بدأت تتغير النظرة و لو ان القراءات ليست بذلك المستوى لكنها تأخذ بالاعتبار

    Liked by 2 people

  2. أولا، أود أن أحييك على هذا المقال الجميل.

    ثانياً، وبالقراءة المتأنية لـ “مؤشر القراءة العربي في ٢٠١٦م” يؤسفني القول أن التقرير لا يقدم صورة حقيقية، وذلك لاعتماده على عينة لا تعبر عن عموم الشارع العربي؛ فالتقرير اعتمد استبياناً إليكترونياً، وهو ـ في رأيي المتواضع ـ يعبر عن شريحة محدودة من مواطني الدول العربية. لاحظ مثلاً أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر يذكر أن عدد من لهم وصول إلى الإنترنت لا يتجاوز ٤٥٪ من عموم المواطنين، وبالتالي، وفي أكثر تقدير متفائل، فإن نتائج “مؤشر القراءة العربي” المذكور لا تعبر إلا عن ٤٥٪ فقط من مواطني الدولة. ومن المنطقي أن النسبة الغير مشمولة في استبيان المؤشر (حوالي ٦٥٪) من الذين لا يملكون وصولاً إلى الإنترنت هم من الفئات الأقل ثقافة، والأقل اهتماماً بالقراءة، بالتبعية. وإلا ـ وبحسب “مؤشر القراءة العربي” ذاته ـ لكان اهتمامهم بالقراءة دافعاً لهم للوصول إلى الإنترنت، حيث المحتوى المقروء أسهل في الحصول عليه، وأقل من ناحية التكلفة المادية.

    أنا لا أقلل من أهمية التقرير المذكور ونتائجه، ولكن يجب وضع مثل هذه النتائج الإحصائية في إطارها الصحيح، للوصول إلى استنتاجات أكثر واقعية.

    رابط تقرير مستخدمي الإنترنت في مصر [https://www.capmas.gov.eg/Pages/IndicatorsPage.aspx?page_id=6134&ind_id=2262]

    Liked by 2 people

    1. أهلا أخي إسلام وأشكرك لهذا التعليق طبعا التقرير أجري إلكترونيا لصعوبة إجرائه واقعيا ولأنه أساسا مشروع جرئ فعلا نحيي القائمين عليه وهو ليس التقرير الوحيد. بخصوص عدد المستخدمين الأرقام ستتغير سريعا إذ هناك 298 مليون مستخدم جديد انضم للإنترنت في 2020 وحدها على مستوى العالم [1] والانتشار الرقمي معدلاته سريعة وكبيرة كما أنك ناقشت موضوع مصر فقط وهي صحيح أكبر بلدان العالم العربي من ناحية عدد السكان لكنها لا تمثل حتى نصف عدد سكان العالم العربي كي نقيس عليها كل العرب
      مرة أخرى أشكرك لتعليقك وأدعوك لتفحص التقارير الأخرى التي تدعم نتائج المؤشر.
      [1] https://wearesocial.com/blog/2020/01/digital-2020-3-8-billion-people-use-social-media

      Liked by 1 person

  3. تحياتي أستاذ يونس
    مقالتك شيقة، تعيد لنا الأمل بأن نصبح في مصاف الشعوب القارئة.
    لكن ملاحظتي- واسمح لي بعرضها- هي أن أعداد المشاركين في الإحصائيات ليست كافية لتقرير النتائج. خاصة أن زوار معارض الكتب في جميع الدول، لا يمكن أن تكون وحدها الدليل القاطع على أعداد القراء.
    بالنسبة لتجربتنا نحن في لبنان مع معرض الكتاب، فاننا نلاحظ عادة:
    1- ليس كل زوار المعرض مهتمين بالكتاب، فمنهم وكثير منهم، يدخل للهو والتسلية.
    2- شريحة كبيرة من الزوار- وهم طلاب الجامعات- لا قدرة لهم على شراء الكتب، وقد يكتفي أحدهم أحياناً بكتاب أو اثنين في أفضل الأحوال. وذلك بسبب غلاء الكتاب (هذا الكلام كان قبل أن تصبح الليرة اللبنانية مقابل 20$- فكيف بنا في هذا الزمن)؟
    3- كثير من الزوار يبتاعون كتب: الأبراج- الطبخ- تفسير الأحلام.
    4- شريحة كبيرة من الزوار هم أصدقاء الكاتب المشارك بحفل توقيع كتابه في المعرض، يدخلون من أجل كتاب صديقهم فقط.

    أتمنى أن نتخلص من هذه الآفة سريعاً، وأن يصبح الكتاب بالنسبة لنا كشعوب، رفيق وصديق، وأن تصبح القراءة أسلوب حياتنا.

    Liked by 1 person

    1. أهلا لينا وأهلا بأهل لبنان ملاحظاتك جيدة فعلا وجديرة بالتأمل.. مع ذلك إن تحفظنا على الإحصائيات الإيجابية المتفائلة فلنا كل الحق أن نتحفظ على الإحصائية سيئة السمعة التي تقول أن العربي يقرأ ستة أو سبع دقائق فقط في السنة
      والإحصائيات الشاملة صعبة ومُكلفة وشعوبنا غير مهتمة بإجرائها الوقت الحالي لذا ما ترينه أعلاه هو أفضل ما لدينا من أرقام وهي مشجعة
      مرة أخرى أشكر لك تعليقك وأدعوك لتصفح المدونة وأن تكوني معلقة دائمة فيها مرحبا بك

      إعجاب

شاركني أفكارك!