ديانا مقلّد: المستهلك العربي بيدفع لنتفلكس بيدفع للرياضة بيدفع للبورن؛سؤالي: لمَ لا يدفع للصحافة الجيّدة إذن؟

صباح الاشتراكية اليسارية،


حلمت روزا لوكسمبورغ بأفول الرأسمالية وصعود الاشتراكية لكني أرى أن مؤسَستها المسماة على اسمها ليست إلا مؤسسة رأسمالية معطوبة أخرى تعطي المال الذي لا نعرف من أين يأتي لمن لا يستحقه أصلًا. لو كانت روزا حية -ووفق ما قرأت من سيرتها- لا أظن أنها كانت ستقدم المِنح لأشباه الهبائيين (الهبيّين) في الوطن العربي، بل كانت ستمنحه إلى من عاشت وماتت (قُتلت) دفاعًا عنهم: الطبقة العاملة المُنسحقة.

كانت روزا ستمنح المال لمن يغرفُ الطعام في مخيّم للاجئين، ولن تمنحه لمن يكتب مقالًا عنهم ويصوّرهم بكاميرا -صنُعت تحت مظلة رأسمالية جشعة- لو بيعت لأطعم ثمنها سبعَ عائلات لأسبوع كاملٍ.

ما كانت روزا ستعطي المال لعربيّة متأنقة تُعدّ مدونة صوتية (بودكاست) أو مقالًا صحفيًا استقصائيًا عن النساء العربيات المطحونات. كانت روزا ستعطي المال للنساء المعذبات في الأرض.

ما كانت روزا لتهتم بتوظيف مهندسي صوتٍ ومصممين وبهرجة فائضة عن الحاجة تنافي التواضع الاشتراكي والزهدَ المنافي للرأسمالية. كانت روزا ستعطي المنح لمن هو في قلب الميدان. لا من يتحدث عمّا يجري فيه.

أتصوّر بصدق أن روزا لو كانت حية لأعلنت برائتها من المؤسسة التي تحمل اسمها وتتاجر بقضاياها الفكرية.

ادعم استمرارية هذه اليوميّات برعاية المحتوى الذي أصنعه، طالع تفاصيل الرعاية في هذا الملف؛ أو تصفّح هذا الرابط.

أوراق بحثية جديدة أثارت اهتمامي من العدد الرابع والثلاثين من الدورية المحكّمة تبيُّن للدراسات الفلسفية والنظريات النقدية (أكتوبر 2020):

بخصوص الورقة الأولى، لدي اهتمام بالمفكرة روزا لوكسمبورغ حاليًا؛ والسبب في ذلك لأني أرى عددًا من المواقع والمشاريع العربية تتلقى دعمًا ماديًا (يبدو سخيًا) من مؤسسة تحمل اسمها أي مؤسسة روزا لوكسمبورغ. الكتاب نفسه الذي تحكي عنه المراجعة مُمول بفضل تلك المؤسسة ووفق متابعتي يبدو أن للمؤسسة أموالًا طائلة لأنها تموّل عددًا ضخمًا من المؤسسات والمشاريع والمبادرات في شتى أرجاء العالم (ولها مكاتب حقيقية في كثير من الدول). قضت روزا الكثير من وقتها في السجن واغتالوها فيما بعد، لكن يبدو لي أن المؤسسة التي تحمل اسمها “تبعثر” الأموال “التي لا أدري من أين تأتي” (سأبحث في موقعهم الرسميّ في وقت لاحق لأرى المصادر) على كل من له مهارة إقناع مدراء تلك المؤسسة الذين لا ندري أيضًا كيف وصلوا إلى ذلك المنصب في المقام الأول. لنأخذ أحد تلك المشاريع العربية الممولة من قبل هذه المؤسسة وهو ميغافون ونقرأ فيه ما يلي:

من موقع ميغافون "المستقل"
صورة شاشة من موقع ميغافون “المستقل”

تعليقي: لا أدري كيف تجتمع عبارة “مستفلة عن جميع القوى السياسية” وفي ذات الوقت تقبل تمويل من مؤسسة روزا التي تعد رمز اليسارية الاشتراكية على الطريقة الأوروبية وهو مذهب سياسيّ بامتياز؟

في هذا السياق، عرفتُ بموقع ميغافون من حلقة من بودكاست Indymedia | إندِميديا بعنوان الاستقلالية وهو موضوع مهمّ لكن الحلقة لم تفصّل فيه بعمق كما أرغب، في إحدى حلقات نفس البودكاست (وهي تتحدث عن موضوعي الأثير: التمويل) تقول ديانا مقلّد (شريكة مؤسّسة وسكرتير التحرير في موقع درج) وهو الموقع الذي وصفتُه من قبل بأنه أكثر المواقع العربية شفافية من الناحية الماليّة (هذا لا يعني أنه يقوم بعمل كافٍ في ناحية الشفافية لكن أفضلُ المتاح حاليًا) ما معناه أن العرب يدفعون للمحتوى المرئي، مثل البورن (المواد الإباحية)* فمن غير المستبعد أن نجعلهم يدفعون للمحتوى النصيّ والمحدد في النقاش بصحافة عالية المستوى.

*لم تذكر ديانا أي رقم أو مصدر يدل على ذلك. فلم يمرّ علي من قبل تقرير حول “مدى دفع العرب المال للمواقع الإباحية” (وهي المواقع التي تُخفي كليًا هذه المعلومات لسبب وجيه) لكن ربما ديانا تحكي عما لمسته من قصص وتجارب بحكم كونها صحافية. بصورة عامة: إلقاء الحديث جزافًا غير مفيد للسمعة الصحفية. لكن كلامها أن العرب يدفعون للمحتوى المرئي صحيحة. بل الأمر ينطبق على المحتوى الصوتي كذلك فمثلًا شركة أنغامي لديها مليون مشترك يدفع؛ أقلّ سعر لديهم دولار واحد للشهر، يعني أنهم يجنون على الأقل مليون دولار شهريًا؛ وهذا رقم ممتاز عربيًا. وما دمنا تكلمنا عن نموذج العمل التجاري المتمثل في الاشتراك، أقترح لتفعيل ثقافة الدفع لدى المستهلك العربي مقابل المحتوى النصيّ أن تُدمج العروض في باقات. فمثلًا تتعاون كل من أنغامي ومجلة معازف بتوفير باقة اشتراك موحدة (وهذا ما فعلته صحيفة وشنطن بوست وفاينناشل تايمز بتقديم عرض اشتراك موحد لكليهما) تتيح الوصول إلى محتواهم المدفوع بسعر مخفّض حتى تترسخ ثقافة الدفع مقابل المحتوى النصيّ الرقمي لدى المواطن العربي. (معازف لا توفر حاليًا محتوى مدفوع للتنويه إنما هو اقتراح منيّ مع العلم أن جودة مقالاتهم ممتازة وعالية المستوى).


من الورقة الثانية المتعلقة بالإمام الشافعي رضوان الله عليه نقتبس:

ووصفه أحمد بن حنبل (ت. 241هـ/855م) بأنه [أي الشافعي] “فيلسوف في أربعة أشياء: في اللغة، واختلاف الناس، والفقه، والمعاني”

مجلة تبين عدد 34 ص 213

وأيضًا:

بل إن الشافعي يذهب إلى جواز وصية المسلم بماله “أن تبنى كنيسة ينزلها مار الطريق، أو وقفها على قوم يسكنونها، أو جعل كراءها للنصارى أو للمساكين”، ويرى أنه “ليس في بينان الكنيسة معصية إلا أن تتخذ لمصلى النصارى الذين اجتماعهم فيها على الشرك”.

مجلة تبين عدد 34 ص 226

يونس يسأل: ما هي مواصفات المحتوى النصيّ -وليس المرئي أو الصوتي- التي إن توفرت في المحتوى ستدفع من أجل الوصول إليه؟


حقوق الصورة البارزة: Photo by Toa Heftiba on Unsplash

10 رأي حول “ديانا مقلّد: المستهلك العربي بيدفع لنتفلكس بيدفع للرياضة بيدفع للبورن؛سؤالي: لمَ لا يدفع للصحافة الجيّدة إذن؟

  1. ربما سأدفع للبحوث العلمية أو المقالات الأكاديمية سواء كانت بلغتها الأصلية أو مترجمة.
    أستسمحك أستاذ ما معنى “هبائيين” بحثت في معجم لسان العرب وجدت بأن “الهباء من الناس الذين لا عقول لهم” فهل هذا هو المقصود في معنى الجملة؟

    Liked by 1 person

      1. آه..غابت عن ذهني تماما طائفة الهايبيز.

        نعم المقالات متوفرة وتكون مفتوحة المصدر كما تفضلت ولكن في الغالب يتطلب وجود إيميل جامعي وهو العائق الأول عندنا في الجزائر.

        Liked by 1 person

      1. ربما.. ليس في ذهني أشياء محددة.. كان في رأيي وقلتها سابقا خدمة للمؤلفين، بجمع كل الانتقادات لكتاباتهم وتصل إلى بريدهم.. (سواء كانت في وسائل التواصل أو يوتيوب أو صحف أو مجلات مواقع إلكترونية)… سيكون مفيدا للمؤلفين خاصة المشهورين لمعرفة النقد لكتابتهم..

        Liked by 2 people

        1. وهناك خدمة طرأت في ذهني الآن، وهي تفسير الشعر العامي بلغة فصيحة.. بحيث يرسل للموقع أو الخدمة مجموعة من القصائد العامية (بأي لهجة) وتفسّر (الشرح الأدبي والنقدي بمقابل أعلى).. ويكون في هذه الخدمة مجموعة من الأدباء من كافة العالم العربي بل ومن مختلف لهجات كل دولة ويحصلون على مقابل شرحهم لهذه الأشعار لبقية القراء. هل هي خدمة وليست محتوى نصي؟ لا أدري.

          Liked by 2 people

شاركني أفكارك!