ما تجربتك الشخصية في تطوير التفكير النقدي؟

أذكر أني لما طالعت رواية العنكبوت للمرحوم مصطفى محمود لما كنت صغيرًا صدّقت كل حرف منها على أنها وقائع وليس خيال مما جعلها ذات أثر عظيم على وجداني حتى لما عرفت لاحقًا لما كبرت أنها رواية خيال علمي فلسفية الطابع.

شيء مماثل حصل معي لما قرأت الرواية المدهشة أولاد حارتنا لنجيب محفوظ:

أخبرتُ أصدقائي أن هذه الرواية كانت من أوائل قراءاتي لم أكن أعرف من هو نجيب محفوظ كان الكتاب ورقيًا ضخمًا أكبر من أي رواية قرأتها من قبل من ناحية الحجم في ذلك السن.

في سن العاشرة صدّقت فعلًا الراوي كنت أحسب أنها رواية حقيقية كنت بمعنى آخر أصدّق كل ما في الكتب بشكل ما حتى لو كنت أعي أنها قصة خيالية .. لم يتطرق إلى فكري في تلك السن أن الجبلاوي قد يكون رمزًا عن الله أو أن الشخصيات تمثل أصحاب الديانات الرسمية إلخ .. لم أكن أفكر في ذلك مطلقًا لكن ذلك لا يعني أنني صحيح .. أضف إلى أنه لم تتغلغل في نفسي أية أفكار منافية للدين بعد قرائتها لئلا يقول البعض أن أفكار الرواية تسري في العروق لتنبت مرة أخرى في شكل أفعال وتصرفات تنفي الأخلاق والدين .. كنت صغيرًا وكنت أحب الحكايات وكانت حكاية جميلة جدًا .. اللغة آسرة .. العجائبية قوية فيها ..كنت أعتقد أن الجبلاوي إنسان طويل العمر لأنه خارق بشكل ما لكن بلا أية ألوهية .. كنت أتضامن مع الشخصيات أحزن وأفرح والأهم أني استمتعت جدًا بالتشويق القصصي المذهل الذي في الرواية[1]

بعد أن كبرت في السنّ بدأت أدرك شيئًا فشيئًا أن هناك مفهومًا اسمه التفكير النقدي ربما لم أكن أعرف أنه يسمى كذلك لكن كمفهوم كنت أدركه وذلك إلى حد كبير بسبب 3 كتب هي:

فأول هذه الكتب مثلًا تتحدث عن مجموعة من الشخصيات العظيمة التي قادت الفكر الإنساني على امتداد العصور. وبعض هذه الشخصيات لم تبن صروحها الفكرية الباذخة إلا من خلال إخضاع أفكار عصرها السائدة إلى مجهر التفكير النقدي.

الكتاب الثاني مثلًا عظيم لأنه يعلمنا درسًا لا غنى عنه هو أننا لا ينبغي لنا أن نتبنى الأفكار لأن شخصية مهمة قالتها (وهي هنا طه حسين) بل علينا مثلما أخضع طه حسين نفسه تراثنا لمسطرة التفكير النقدي أن نتفحص نحن أيضًا أفكاره وطروحاته بأدوات الحقيقة والبحث الجاد ونرى ما إن كانت موافقة للحق أم لا.

نفس الشيء مع الكتاب الثالث فالمرحوم الأستاذ مولود محّص أفكار وطروحات كلٍ من المستشرقين وبعض المؤرخين العرب من المشارقة وفنّد الخاطئة منها بالأدلة والمراجع.

هكذا تكونت أول نواة للتفكير النقدي في ذهني.

الهوامش

[1] عن نجيب محفوظ .


حقوق الصورة البارزة: Photo by Ben Sweet on Unsplash

5 رأي حول “ما تجربتك الشخصية في تطوير التفكير النقدي؟

  1. شكرا على المشاركة الطريفة..

    -في سن العاشرة فعلا لا يمكن للطفل أن يستوعب التفكير المجرد-المنطقي (الذي ضمنه النقد – حسب نظريات النمو..). لذلك حتى لو كانت هنالك محاولة لشرح أن القصة لها دلالات وما إلى ذلك، فلن يكون من مقدور طفل ال10 سنوات إستعاب ذلك على الأرجح..

    -في مرة كنت أكتب لإبن أختي “ذات ال6 أعوام تقريبا” عمليات رياضية، وهي تحب أن تقوم بذلك عبر ألة حاسبة متقدمة (لذلك زودت صعوبة العمليات قليلا إلى ضرب وقسمة). أخطأت في المدخلات فكانت رسالة “MATH ERROR” هي المخرج.. فسألتني هل هذه العملية تساوي جملة ما هههه… ذلك لأنها لم تدخل مرحلة إستعاب العد. حتى لو كانو يأخدون (ويجيدون) الحساب… ((هناك العديد من التجارب الطريفة في هذا المجال..)).

    Liked by 2 people

  2. التفكير النقدي شيء يجب علينا تعلمه أو امتلاكه -إن صح القول- جميعا ، حتى لا ننساق وراء أي رأي أو فكره. عن نجيب محفوظ لدي أيضا أولاد حارتنا ورقيه ولم أقرأها ، هاقد شوقتني لها ، شكرا لك على المقال الجميل.

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!