مصرفيون يصنعون المال من لا شيء!

صباح السعادة،

تصلني العديد من الرسائل والتعليقات المشجعة، بارك الله فيكم، من حقكم عليّ أن أواصل التدوين ومن كرمكم مشاركة تدويناتي وأعمالي في صناعة المحتوى. فضلًا لا أمرًا أُنشروا ما يعجبكم مما أكتبه في مواقعكم وحساباتكم على الإنترنت.

يكفي تغريدة أو إعادة تغريد، أو حديثكم عن مدونتي أو المقال الذي أعجبكم في حساباتكم الاجتماعية: انستقرام، سناب شات، فيسبوك وغيرها.

أقدّر لكم هذا جدًا.

مكمليّن بعون الله ثم دعمكم.

من أين يأتي المال حقًا؟

يقول الكاتب ديفيد غرايبر في هذا المقال المعنون بـ (ضد النظريات الاقتصادية السائدة) أن النماذج والنظريات الاقتصادية الحالية غير كافية وفاشلة في التوقع وغير متسامحة مع ما يخالفها من نظريات غير تقليدية. مع ذلك ورغم فشل النظريات الاقتصادية السائدة حاليًا إلا أنها مستمرة، ورغم تقادم الكثير منها وعدم جدواها ولا صحتها إلا أنها ما زالت تُدرّس بصفتها حقائق.
المقال نفسه مراجعة لكتاب مهم جدًا بنظر الكاتب حيث يصفه بقوله “أحد أهم الكتب التي صدرت في السنوات الأخيرة في المملكة المتحدة”، والكتاب من تأليف روبرت سكيدلسكي، وعنوانه: “المال والحكومة: ماضي الاقتصاديات ومستقبلها” وقد كُتب المقال لصالح مجلة ذا نيويورك ريفيو أوف بوكس ونُشر فيها، لكن المقال ليس مراجعة لكتاب مهم فحسب بل هو غوص عميق بحثًا عن الحقيقة الكامنة لمفاهيم اقتصادية تبدو بديهية لكن ستندهش عندما تعرف أنها ليست كذلك، ومن أبسطها: من أين يأتي المال أصلًا؟

مصرفيون يصنعون المال من لا شيء!

قالت تيريزا ماي خلال الانتخابات المبكرة التي أجريت العام 2017: “ما من شجرة سحريّة تُثمر المال”، وهي العبارة التي تعدّ التصريح الوحيد الذي لا زال يُذكر ضمن أشدّ الحملات الانتخابية بهوتًا شهدها التاريخ البريطاني. تناقلت وسائل الإعلام هذه العبارة بهوس لا نظير له، لا سيما عندما يسأل سائل لماذا المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة التي تفرض رسومًا على التعليم الجامعي من بين جميع دول أوروبا الغربية، أو عندما يسأل آخر عن سبب وجود عدد كبير من الناس الذي ينامون في الشوارع والطرقات.

أما الخبرُ الصادم فهو أن عبارة ماي ليست صحيحة أصلًا. هناك بالفعل العديد من الأشجار الذي تثمر المال في بريطانيا، كما في غيرها من دول الاقتصادات المتقدمة. وهذه الأشجار تسمى “البنوك” ولأن الصورة الحديثة للمال يمكن عدُّها ببساطة “ائتمانًا” (أي توثيقًا لدَيْن)، في قدرة البنوك -بل وهي تقوم بذلك بالفعل- أن تخلق المال حرفيًا من لا شيء وذلك عن طريق منح القروض. بهذا الصدد، تعدّ معظم الأموال المتداولة في بريطانيا اليوم بل وفي هذه اللحظات التي تقرأ فيها هذه السطور أموالًا خلقتها البنوك بهذه الطريقة. والصادم أكثر أن هذه المعلومة لا يجهلها فقط جمع غفير من الجماهير العامة، بل لا يعرفها حتى من ينتمون إلى ما يسمى “النخبة”، فقد بيّن استطلاع حديث أجرته مجموعة البحث البريطانية پوزيتيڤ موني (Positive Money) أن نسبة هائلة قدرها 85 بالمئة من أعضاء البرلمان ليس لديهم أدنى فكرة عن المصدر الحقيقي للأموال (وتظهر الدراسة أن غالبيتهم كانوا يظنون أن مصدرها هو دار سكّ العملة الملكية (Royal Mint))

من جهتهم، ولأن هذا يقع في صميم اختصاصهم، تحدّث الكثير من الاقتصاديين عن البنوك وأدوارها، لكنهم أمضوا معظم القرن العشرين وهم يتجادلون عن حقيقة ما يحدث بالفعل عندما يطلب أحدهم قرضًا من البنك. في هذا السياق، تصرّ إحدى المدارس الاقتصادية أن البنوك في حالة تقديم قرض تقوم بأخذ بعض المال من الرصيد الفعليّ الموجود في خزائنها، أما مدرسة أخرى فتقول أن البنوك تُنتج مالًا جديدًا، لكن ليس بصورة عشوائية، إنما بناءً على الأثر المضاعف، الذي يُعرّف بأنه التأثيرات التالية لنشاطٍ مُعيَّن كنشوءِ صناعات تابِعة تالياً لإنشاءِ مَشروع معيَّن، لذلك يمكنك عدّ قرض شراء السيارة الذي أجريته متجذرًا في أصله في إحدى صناديق المعاشات التي يشترك فيها المُسنون. لكن أقلية من خبراء الاقتصاد -من الاقتصاديين غير التقليديين، وآخرين ينتمون إلى المدرسة الاقتصادية ما بعد الكينزية، والمُنظّرين الحداثيين لمفاهيم المال- مستمسكون بوجهة النظر التي تُدعى “النظرية المصرفية لخلق الائتمان”: والتي تفيد بأن المصارف ببساطة تخلق الأموال من لا شيء، كما لو كنّا في قصة خيالية، وهي تفعل ذلك معتمدة على يقينها التام أنها حتى لو منحت أحد الأشخاص قرضًا بمليون دولار فسيعود ذلك المليون في نهاية المطاف -بصورة أو أخرى- إلى البنك، وهكذا إن أخذنا نظرة شاملة على النظام المصرفيّ كوحدة واحدة سنرى أن الديون والأرصدة تلغي بعضها بعضًا. ووفق هذه النظرية، لا تُمنح القروض وفق ما للبنك من ودائع (الأموال المودعة في حسابات مصرفية)، بل إنّ الودائع ذاتها هي نتيجةُ منح القروض.

عندما نعرف جميع هذا، نتسائل: ماذا عن موظفي البنوك، ألم يُوظّف شخص ما لدى أحد البنوك ويعرف ما الذي يحصل حقًا عندما يُقرض البنك أحد الأشخاص ويأتينا بالخبر اليقين؟ الخبر السعيد أنه وقع بالفعل عام 2014م أن تقدم خبير اقتصادي ألماني يدعى ريتشارد فيرنر للعمل لدى أحد البنوك، وقُبل بالفعل، واكتشف أن المسؤولين عن منح القروض لا يقومون أصلًا بتفقد كم يملك البنك من أموال مودعة، أو احتياطات أو أي شيء آخر قبل منحهم القروض. إذًا كيف كانوا يمنحون القروض؟، الجواب: يخلقونها من العدم، ووفق عبارات ريتشارد نفسه “يصنعونها من اللاشيء تمامًا مثلما يحدث في القصص الخرافية”.

روابط

معلومة جديرة بالتأمل:

الروائي المصري يحيى مختار والمولود في النوبة، قال لـ”العرب” في حوار خاص، إنه لا يوجد شيء اسمه الأدب النوبي؛ لأن الأدب يُنسب إلى اللغة وليس إلى المكان.

يحيى مختار: الأدب لا ينسب إلى المكان وإنما إلى اللغة

تقرير مهتم بالاطلاع عليه:

أكاديمية الشعر العربي بالسعودية تطلق التقرير الأول لحالة الشعر العربي

عندما تدخل موقع أكاديمية الشعر وتبحث عن التقرير تجد هذا:

هل تسائلت يومًا: من أين يأتي المالُ حقًا؟
تقرير حالة الشعر العربي 2019

مقال يستحق (والموقع الذي يستضيف المقال مشروع عربيّ واعد، نتمنى للقائمين عليه النجاح والتوفيق): ما بعد التخرج وهاجس العمل! – الشكر موصول لأكاديمية الصحافة على تلغرام.

حقوق الصورة البارزة: Photo by Sharon McCutcheon on Unsplash

7 رأي حول “مصرفيون يصنعون المال من لا شيء!

  1. لقد خطر في بالي أن أسألك عن تخصصات في كلية العلوم الاقتصادية, مثل الأسواق والمؤسسات المالية تدرس في الكلية ثم يتخرج الطالب ليتفاجئ بعدم وجود سوق أوراق مالية أصلا في بلده !!! ….ثمة شيء بين السطور في هذه المقالة أشعر بأنه يجيب على تساؤلاتي؟

    Liked by 1 person

  2. مواضيع متنوعة.ولعلي عثرت على كنز جميل اليوم؛فقد كنت أ مع الكتابة عن حالة الشعر في العالم العربي.لكن المكفى سعيد.
    شكرا لك.وشكرا الأمامية الصحافة

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!