إجابة أسئلة صراحة: ممزّق بين ما أريد وما يريده والداي: ما الحلّ؟

مقدمة ذات صلة:

قرأتُ في مكانٍ ما قولًا ينسب لفرويد أن “من يقتل أباه يحوز البطولة”، أي أنه يصبح بطلًا.. وإذا ما فكّرتَ قليلًا فستخرج بالنقاط التالية:

أ. الربّ دومًا ما يأخذ صورة الأب في الفكر الغربي.

ب. الأفلام الغربية تروج لفكرة التغلب على الربّ فغالبًا عندما يتواجه الإنسان مع الآلهة ينتصر الإنسان.

ج. قتل الأب معنويًا (بعد أن ادعوا نجاحهم في فعل ذلك بالنسبة للرّب على يد نيتشه) ضروري لسيادة/سعادة الإنسان.

مع كل احترامي لمؤيدي وجهة النظر هذه، إلا أنها ليست أكثرَ من هراء فرويدي. فالعالم مكوّن من عدد من القارات (ولا يقتصر فقط على أوروبا) من هنا لا يمكن تطبيق كافة نظرياته على جميع البشر.

وصلني على حسابي في صراحة هذا السؤال: (استقبل الأسئلة والاستفسارات فتفضلوا بها)

أعجبتني إجابتك عن جيل الألفية. أما أنا أعلم ما أريده بدقة، ولكن هناك مشكلة. ما أريده يتعارض مع ما يريده والداي. ولا يتعارض مع الدين بالإضافة إلا أنني وحيدهما .. أريد السفر .. واختيار زوجة كما أريد. . فقط. هما مصران على البقاء واختيار من سأتزوج.

مجهول

معلومات أولية لا غنى عنها:

لا بد علينا أولًا أن نعرف هذه المعلومات قبل المضيّ قدمًا في الجواب:

1. ما لم تصبح/ي أبًا أو أمًا لن تفهم/ي والديك أبدًا
لو كنت متابعًا وفيًا للسينما فلا ريب أنك لاحظت أن بعض الأمهات والآباء فيها يجرون الحوار التالي:
– ألديك أطفال؟
– لا
– إذًا لن تفهم أبدًا ما أعنيه/لن تحس بما أشعر به.

وهذا صحيح ذلك أن كونك أبًا أو أمًا مفهوم لا يمكن نقله بالكلمات، وهذه نقطة مهمة جدًا عليك أن تضعها نصب عينيك. لذا بكل بساطة يمكنك توفير كلمات مثل “أنا أفهم أبي أو أمي تمامًا لكن هو أو هي لا تفهمني”، الحقيقة أنه ما لم تصبح أبًا لن تفهم والديك على نحو جيد أبدًا.

ما الذي يفعل الذي لم يتزوج بعد؟ الجواب لهذه النقطة: يحاول تقبّل واستيعاب والتعاطف مع لا يفهمه -حتى الآن-.

2. هناك دومًا ابن/ة مفضلة لديهم حتى لو أنكروا ذلك
وللأسف معظم الضغوط تقع على البكر أو الأوسط بل أن الإبن الأوسط وضعوا اسمًا لمشكلته في علم النفس وهي “معضلة الابن الاوسط”، وتفيدك هذه المعلومة في أنه: ينبغي عليك معرفة وضعك في العائلة لفهم الأمور بأحسن صورة، الشيء الآخر الذي تفيدك به: أن أمور القلب ليست باليد -لكن اليدُ في اليد- أي أن التصرفات يمكن التحكم بها كالعدل في قسمة الأشياء والأغراض. لذلك لا تلمهم على الحبّ القلبي.

3. أبوك الحقيقي في مكان آخر

لا نقصد بالأب الحقيقي هنا الأب البيولوجي فلا داعي للذهاب لأبيك وتقول له “من أين أتيت بي؟”، أو تقول لأمك “من وين خطفتوني؟” لأنو واضح من تصرفاتكم أنها تصرفات خاطفين مو تصرفات أب وأم!، ما نقصده هنا ما يسمى بالإنجليزية (المنتور) أو المرشد أو الدليل بالعربية، وهذا لا بد من إيجاده إن أردت النجاح في حياتك، ويمكنك طرق كل السبل لذلك، وهم قلة ولا يتواجدون في مكان واحد، وقد يشغلون وظائف متنوعة كأن يكون إمام المسجد، أو مدرّب الكاراتيه في النادي، أو زميلًا في صالة التمارين الرياضية، أو صاحب مطعم، أو بنّاءً…والشرط الذي نضعه لكي يكون مرشدًا حقًا هو أن “لديه خبرة عملية بالدنيا أورثته حكمةً وفهمًا وبصيرة” ولذلك من لديه خبرة لكن لم تورثه حكمة لا فائدة منه لأن كلّ ما لديه إن هو إلا قصص جميلة، ومن له حكمة وفهم لكن لم يختبر ما يكفي من جوانب الدنيا والحياة سيخطئ ظنه ويعطيك معلومات مغلوطة عمّا لم يجربه ذلك أن حكمته ناقصة للتعرّض لما يكفي للمواقف الحياتية الحقيقية والواقعية. وبما أنك علمت شرط المنتور (المرشد) ماذا يكون جِد واحدًا بالطريقة التي تناسبك.
بعد أن تجده، من المنافع التي ستحصل عليها هو أن إجابات المرشد ستكون دقيقة ومجدية لأسباب منها:

أ. أنه يتابع حالاتك على فترة زمنية ممتدة، فأنت لن تعقد معه جلسة أو لقاءً واحدًا فقط. لذلك سيكون له إلمام كافٍ بحياتك

ب. أنه سيعرف تفاصيل المشكلة المطروحة مما يمنحه فهمًا أعمق للوضع.

جـ. من ثم سيأتي لك بجواب أو حلّ دقيق. لا يشبه الجواب الذي ستتلقاه عندما تطرح نفس السؤال دون تفاصيل وبشكل مجهول على الإنترنت.

لنحاول الآن الإجابة عن السؤال:

أنا أعلم ما أريده بدقة، ولكن هناك مشكلة. ما أريده يتعارض مع ما يريده والداي. ولا يتعارض مع الدين

من الرائع بدايةً أن تعرف ما تريده بدقة لأن هذا شيء مطلوب ومرغوب. لكنك تقول أن المشكلة أنه يتعارض مع ما يريده والداك لكنه في ذات الوقت لا يتعارض مع الدين.

في حالات كهذه ليس هناك الكثيرُ من الاحتمالات وهي كما يلي:

  1. أن تخضع لما يريده والدك. وهو ليس سيئًا جدًا كما تظن.
  2. أن تخالفهما وتفعل ما تريده أنت. وهو أمر سيء حقًا.
  3. أن تصل لتسوية بين ما تريده وبين ما يريدونه.

والخيار 3 هو الذي أقترحه عليك، وقبل أن أخبرك كيف تطبقه، لا بد أن أقول أن كلمة “لا يتعارض مع الدين” شدت اهتمامي، ذلك أن الأب والأم والأبناء عادةً لا يتفاهمون تمامًا على ما هو “الدين” وأين حدوده لا سيما في هذا العصر، فقد يرى الإبن أو الابنة الآن أن الحجاب ليس فرضًا، لكن الأب والأم يرونه فرضًا، يمكنك مطالعة كتاب “أربعون” للشقيري لمعرفة نظرته الدينية سابقًا وكيف تغيّرت.

لذلك من المهم فعلًا قبل أن تقول لي لا يتعارض مع الدين أن تقول أيضًا وفق فهمي له.. ويبقى أن نرى ما هو وضع ما تريده بالنسبة للدين وفق فهم والديك. والحلّ: رفع الموضوع لمرجعية دينية توافق عليها أنت ووالداك بشكل وديّ طبعًا. هذا في نقطة (لا يتعارض مع الدين).

كيف تطبق الخيار الثالث؟

أ. تحاول أن تفهم أباك وأمك بصفتك شخصًا غريبًا عنهما لا بصفتك ابنهما. اُدرسهما (ولا تتصرف وفق أنك غريب) بهذه الصفة لفترة من الزمن.

ب. صادق أفضل أصدقاء أبيك. لأنك ستحتاج إلى ذلك في فترة لاحقة، إذ أن برّ أصدقاء أبيك مطلوب شرعًا بعد انتقال الوالد -بعد عمر طويل- إلى رحمة الله وفضله.

جـ. بعد أن تدرسهما وتصادق أصدقائهما: ارسم الأهداف التي يريدونها.

د. بعد رسم الأهداف التي يريدونها: ارسم الأهداف التي تريدها.

هـ. بعد رسم كلا الأهداف: حدد المشتركة منهما. وركز على تطبيقها.

هنا يبرز سؤال: لكن ماذا عن الأهداف غير المشتركة والتي تبدو لي مصيرية مثلًا تخطيطهما للزواج من ابنة خالي أو ابنة عمي على سبيل المثال. الحلّ هنا هو: الرفض. الرفض وخلاص ولن يجبراك فلا تقلق، يمكنك الالتزام بموقف الرفض قدر ما تشاء. لكن ماذا عن السفر مثلاً أريد السفر والعمل في بلاد أخرى؟..هذا الموضوع مثلًا يمكنك تمهيده لأن القرارات الكبرى صعبة. فعلى سبيل المثال بدل أن تقول: أود السفر وعدم العودة والعمل هناك. تقول أريد أن أقضي شهرًا أو شهرين في ذلك البلد، ثم بعد أن تعود تمكث قليلًا وتقول أنك ستقضي شهرًا آخر هناك..وهكذا حتى يتعودوا على غيابك شيئًا فشيئًا لأن الفطام من أي شيء عملية صعبة على النفس البشرية.

انتبه إلى أن هذه النصائح أو الاقتراحات كلها: وأنا أفترضُ أنك مستقل ماليًا وماديًا عن والديك بحيثُ:

  • أن لديك مصروفك الشخصي من عرق جبينك
  • أنك قادر على الاستقلالية دون أخذ أي فلس منهما
  • أنك تمتلك حقًا ثمن ما تريد عمله: لديك مستحقات السفر مثلًا أو الزواج إلخ

أما إن كنت غير ذلك، فليس لديك أي حقّ في معارضة إرادتهما، لأني قلتُ في جواب آخر (طالعه أدناه) أن الكلمة الأخيرة لمن يتحمل النفقة، فإن كنت من قلة الخبرة بالحياة حيث لا تجني شيئًا وتريد السفر فهذا انتحارٌ معنويّ لا يقبله عاقل.

فإن قلت أنا أعمل في “بزنس عائلي” أي مشروع تديره العائلة وقد أنفقت من وقتي الكثير ومن حقيّ أخذ أرباح وأموال منه، تكون مخطئًا أيضًا لأنك ضيعت الوقت ولم تفتح من فترة مشروعًا جانبيًا ترعاه وتكبّره وتختبر فيه قدراتك حتى يستقل عن المشروع العائلي الأم. من ثم ولأن من يتحمل المخاطرة التجارية في المشروع الأم هو أبوك حقًا. ليس لك حق في الأرباح إلا إن شاركته في الخسائر مذ فتح البزنس لأول مرة. وبما أن هذا غير ممكن فالكلمة كلمته.

أنا أؤمن بقاعدة في هذا الموضوع هي “منزله، قوانينه” بمعنى أن الذي يملك المنزل ويوفر الطعام ويسدد الفواتير يحقّ له أن يسير سكان المنزل وفق ما يراه مناسباً. الأمر الذي لا يحق له فعله هو منعك من الخروج من المنزل. في حال كان الخروج من المنزل متاحاً فهو الحل المنطقي الوحيد في نظري. إذ لا يحق لك أن “تتحكم في حياتك الشخصية” وأنت في منزل الآخرين، بالذات وأنت تأكل “طعام الآخرين”.

مشكلة الشباب الألفي حالياً هو عدم قدرته الفادحة على تحمّل المسؤولية وهو يرى أن المنزل المبيت والأكل والرقاد هناك شيء مسلم به مع أنه ليست من المسلمات في شيء. هي مزايا منحها شخص آخر صدف أنه كان أبوك. وإلا فالواقع يقول أنها فضائل أنعم بها عليك أحد غيرك. من هذا الباب لا يحق أن تقول “لا تتدخل في حياتي الشخصية” لأنه ما دمت غير مستقل فليس لديك حياة شخصية أصلاً.

في حال سمح الأب للابن بالمكوث في منزله بعد السن القانوني فهو “مزية” منه وهي مزية كبرى بالفعل. فإن أردت أن تعيش في منزله فلا بد أن تخضع لقوانينه. لا يعجبك الأمر؟ استقل بنفسك.

موقفك من تدخل الأب في الحياة الشخصية للإبن؟

نتابع الإجابة:

بالإضافة إلا أنني وحيدهما .. أريد السفر .. واختيار زوجة كما أريد. . فقط. هما مصران على البقاء واختيار من سأتزوج.

وفق ما ذكرناه أعلاه يجب أولًا قبل أن تتأمل التوصيات أن تكون:

أ. لديك قدرة مالية حقيقة على فعل ما تريد فعله. لا أنك تريد (فعل أشياء) بـ(مال والديك). فهذا غير مقبول ومن حقهما الرفض.

ب. إن كنت مستقلًا حقًا ماديًا عنهما حلّ السفر كما يلي:

ب.1 سافر وفق (منح) و(سفريات) و(عطل) قصيرة الأجل وعد إليهما بشكل يجعلهما يتعودان على غيابك تدريجيًا. يمكنك البدء بمدن أخرى قريبة وليس خارج البلاد دفعة واحدة.

ب.2 بعد تعويدهما لفترة على غيابك. اتخذ الخطوة الكبرى، لكن لا تنس إتاحة زيارتهما لك هناك، وأن تزورهما أنت في بلادك بين الفينة والأخرى.

جـ. حل الزواج المفروض عليك: الرفض. وهو ليس عقوقًا. الحلّ الآخر له: الاستمرار في الرفض. في حال رفضوا اختيارك. ابق مصرًا على المرأة التي اخترتها حتى يأتي الله بالفرج، إذ أن انتظار الفرج عبادة (حديث حسن)، كل ما أقوله لك أن تكون رجلًا حقًا مع المرأة التي اخترتها ولا تكن مراهقًا أو وغدًا تربطها معك لمدة ثم تتركها كما يفعل الجبناء الأوغاد.

أتمنى لك حياة سعيدة في كنف والديك وبعيدًا عنهما.

مع توصية أخيرة: إن سافرت بالطائرة أو القطار أو الحافلة وأردت شيئًا مسليًا تقرأه. فكّر في روايتي إيفيانا بسكال.

يمكنك أيضًا دعمي بمختلف السبل من هنا.

9 رأي حول “إجابة أسئلة صراحة: ممزّق بين ما أريد وما يريده والداي: ما الحلّ؟

  1. أعجبتني لمسة التسويق للرواية. أعجبتني حقا.. الإجابة على السؤال أرى فيها جهدا حقيقيا للإلمام بكل الجوانب.. شكرا حقا على الفائدة يونس. ❤

  2. انا سبتمر الماضي 2019 كان بالنسبة النقطة الفاصلة
    بحيث انه بقي لي اقل من شهر للتخرج ماستر في الاعلام الالي تخصص هندسة برمجيات ولكني سئمت الجامعة والدراسة وقد اخبرت ابي قبل عام تماما اي سبتمبر 2018
    ففي سبتمبر 2019 سألوني عن المذكرة فقمت بالنهوض والخروج من البيت بعدما قلت لهم لا تسالوني عن شئ اسمه الجامعة
    ولكن في اليوم الموالي لم يكن احد في البيت فاستغل ابي الفرصة وقال لي تعال واخبرني عن قصتك
    فقلت له اني مسحت كل شئ من الكمبيوتر ومزقت كل اوراقي وبحوثي ولن اعود الى الجامعة
    والدنيا اكبر من ان تكون في الدراسة فقط
    بالاضافة اني في 25 من عمري ومقبل على 26 ومازلت اطلب منك المال
    كرهت هذه الطريقة في المعيشة، اريد الاستقلالية والذهاب اينما اريد
    تقبل ابي الوضع واحس بي لانه على علم بما يحدث لي وقال لي الله يوفقك
    والان انا في البيت احاول البحث عن عمل بالاضافة اني اتعلم لوحدي عن طرق الربح من النت
    والحمد لله

    الذي تعلمته من هذه التجربة انه اذا اردت اي شئ او تبديل اي شئ او التوقف عن اي شئ لا احد يستطيع الوقوف في طريقك
    يجب عليك في البداية اخبارك والديك بما تريد ومحاولة اقناعهما
    اذا اقتنعا هذا جيد
    ولكن اذا لم يقتنها اضرب الضربة القاضية وافعل ما تريد على شرط ان يكون ما تفعله يرضي الله

    Liked by 1 person

شاركني أفكارك!