كيف ستكون نهاية العالم (2)؟ أو خدود لاند

لمطالعة القصة الأولى انقر هنا: كيف ستكونُ نهاية العالم؟

بدأت مهنتي في التسويق في شركة كوكا كولا تحت إشراف مدير قسم التسويق في السويد، اسمه جون سالدور، مع أن هذه القصة لا تدور حول مسيرتي المهنية “المجيدة” لأنني سأحكي قصة الفوضوي ريب تشالند وما والها من تبعات جرت العالم إلى هرمجدون المنتظرة.
بدأ الأمر باعلان سخيف الكتروني وورقي نشر في جريدة عامة في السويد وفي المواقع المختلفة فيها بشكل عادي يعلن فيه رجل يصف نفسه برائد الأعمال أنه يبيع مساحة بشرته من خديه لمن يريد الإعلان فيها عن طريق الوشم المؤقت لشعار الشركة.
كان جون سالدور لا يثق بالتقنية كثيرا ويطالع الجرائد بالطريقة التقليدية وحالما رأى الإعلان حتى استشعر بحاسته التسويقية أنه قصة ستنشر لاحقاً، لذلك سارع وأخذ الهاتف وأرسل لحساب الرجل 250 دولار بعد مفاوضة وجعله يشم شعار كوكاكولا على وجه.
وكان هذا أول درس تسويقي لي لأنه بعد أسبوع بالفعل نشرت الجرائد خبر الرجل العجيب وصورته عليها شعار كوكاكولا.
أخبرني سالدور: نشر مقالات عن شركتنا في مجموع هذه الجرائد يكلف قرابة 10 الاف دولار، وقد حصلنا عليه ب250 دولار هذا كل ما تحتاجه لتعلم التسويق.

ثم كتب في ورقة -مع أن هذا تقليدي جدا- عشرة مقالات نشرت صورة شعار كوكا كولا دون ان ندفع بنسا هذا ما يكلف عشرة آلاف ناقص 250 تساوي اممم لا يهم خذ 500 دولار وتفسح أنت ومحبوبتك.

  • ليست لدي واحدة
  • جد واحدة

وهذا مبالغة بالفعل (اقصد التسويق وليس الفتاة) لانه لاحقا لطالما تعلمت من سالدور الكثير. لكن كما قلت لكم ليست هذه قصتي بل قصة الرجل المُعلن في خديه ريب تشالند.
لم يكتف “رائد الأعمال” ريب بأن يعلن على خديه فقط، بل أسس شركة لاحقاً وجعل مساحة الخدود (توكنات) وباعها كعملة رقمية حققت استثمارات طيبة، وفي واجهة موقعه تجد المساحة الاجمالية، كانت أول الأمر 250 سم مربع ثم ارتفعت بشكل جنوني لما ترجم واجهة موقعه للهندية والبرتغالية فانضم له معظم فقراء الهند والبرازيل.
منح ريب مستخدميه ما يشبه الدخل الأساسي الشامل في حركة تسويقية دمجت الدخل الأساسي الشامل بالتوكنات الخاصة بالعملات الرقمية بالتسويق وتأسيس الشركات الناشئة. وهكذا أصبح المستخدمون معلنين دائمين ونظرا لأن الخدود مساحة مكشوفة في غالب الاحوال ولأن سالدور لم يفوت فرصة اقحام كوكاكولا في الأمر، تابعت الشركات الإعلان لديه واتسعت المساحة شيئا فشيئا.
أما في ذهن ريب فكان هناك أمر آخر ، لم يكن الامر متعلقا بتأسيس امبراطورية تجارية أخرى، بل بإنشاء دولة فوق دولة وأرض فوق أرض.
لذلك لما ارتفعت مساحة الخدود الإعلانية لمشتركيه لتصل لمليون متر مربع، بدأ ينشر تعاليم الفلسفة الفوضوية وقد بدأ بشعارات نعوم تشومسكي وسلافوي جيجك.
حار الخبراء والمحللون الاقتصاديون من أين يأتي بالمال لتسديد كل هذه التكاليف بما أن الحكومات شددت على الشركات ومنعتها من الاعلان لديه. لكنه كان بالفعل قد خلق نظاما بيئيا مستقلا يعمل دون الحاجة لاستثمارات خارجية كبيرة.
بعد ذلك؛ بدأ ريب يبيع مساحات الخدود للأندية الرياضية كم تريد خدا تعلن لديه؟ وتضع شعارك فيه؟ ثم بدأت القنوات الرياضية والاتحادات الدولية ثم الفيفا ثم المنظمة الخاصة بالالعاب الاولمبية بالاستفادة منه. حتى ان وجود “خد صاف” واحد كان امرا نادرا في الفعاليات الرياضية.
ومصطلح “خد صاف” دخل بالفعل لقواميس مختلف اللغات كدلالة على الاختلاف وعدم التبيعة في بعض معانيه.
بدأت المشاكل لما بدأ الكونغرس يدرس القضية التي تركها لوقت طويل -كعادته مع معظم القضايا- والمتمثلة في ((وجود أربع ملايين أمريكي مشترك لدى شركة ريب تشالند)) وما هي وضعيتهم القانونية وفق الدستور الامريكي بخصوص ملكية الأراضي (وهذا صحيح لاننا نتكلم على أية حال عن مساحة إعلانية هنا) حيث يدفع لهم دخلا أساسيا شاملا بقيمة 250 دولار شهريا ومع أنه ضئيل وحسب دراسة اجرتها (ماكينزي بالطبع) وجدوا ان معظمهم سود ولاتين ومن فئات المجتمع الفقيرة ومن المعدومين والمشردين.
رجع الكونغرس لدستور الولايات المتحدة حيث قرر ان السيادة الوطنية للولايات المتحدة تشمل التراب الامريكي من النواة إلى حدود الغلاف الجوي (وبعضهم قال ان الكواكب تابعة لمن يجدها اولا لكن ذلك موضوع اخر) لكن ريب تشالند لم يعبأ بهم وقال ان المساحة الخدية التي يملكها في امريكا دولة كاملة بالفعل ولا علاقة لها بالفدرالية الامبريالية التي يديرها الكونغرس.
حاول الكونغرس ان ينفض اوراقه ويستخرج مشروعا تجريبيا ما يقدم بموجبه الدخل الأساسي الشامل لتلك الفئة التي باعت (نفسها /خدودها) لريب تشالند حسب شيوخ الكونغرس ووضعوا راتب اساسي بقيمة الف دولار وقالوا توكلنا على الله.
لكن الاستجابة لخطة الدخل الاساسي الشامل لم تلقى صدى لان الكونغرس وكعادة الحكومات قبل ان تمنحك بنسا تضع دفتر شروط معين لم ينطبق بالطبع على معظم المستهدفين فاقلهم لديه جنحتان واسائتان للحكومة وموظفيها.
استمر الوضع كما هو حتى قرر ريب تشالند تأسيس دولته العالمية الافتراضية التي تقع في متوسط 150 سم من سطح الأرض (امبراطورية الحرية العظمى) وبدأ يعلن عن مبادئ الفوضوية والثورية عليها مما سبب تدخل الردع القاسي من الحكومات في جنوب امريكا ووسط شرق آسيا ثم تلتها في امريكا الشمالية.
قتل الكثير في عمليات “حفظ السلام”؛ ومنعت شركة ريب في كافة الدول تقريبا وجففت منابع ارسال واستقبال الاموال والدخل الأساسي الشامل مما خلق نظاما موازيا لتصريف الاموال لتابعيه وهكذا تحولت عملية كراء مساحة الخد من قضية تجارية إلى مسألة ثورية.
كونت أول فرقة مسلحة خدية في جنوب شرق آسيا حيث تمكنت من الاستيلاء على حكومة احدى الدويلات هناك مما استثار العم سام جدا وشدد على الخدوديين الموجودين على اراضيه لكن ربيع الحدود لم ينته
لم يسع الخدودين في تلك الدويلة الاسيوية الى اصلاح اي شيء وبعد خمسة اشهر من سقوط النظام حشدوا قواتهم واستولوا على دولة أخرى.
اراد العم سام والناتو واخوانه التدخل لكنه اكتشف رسالة خاصة من ريب تشالند (الذي تبين أنه مجهول الهوية والمكان مثل مخترع البتكوين لكن فيما يخص ريب كان الكثيرون يعتقدون أنه روبوت تالف من مختبرات داربا) ان ينهض الخدودين في حال ارسلت امريكا قواتها لفض النزاع في اسيا.
اقترح احدهم حجزهم لكن الضباط قالو له واين المكان الذي يسع خمسة ملايين؟
لكن امريكا تملك حكة في يديها بخصوص التدخل لاصلاح العالم وهكذا انطلقت القوات هناك مستندة الى انها قوية بما يكفي في الداخل لصد اي تصدع.
لكن التصدع حصل بالفعل؛ ومن الداخل.
ونظرا لان الخدوديين الامريكيين لم كونوا متمركزين في ولاية واحدة مما يسهل عملية السيطرة عليهم فإنهم استولوا على ثلاثة ولايات دفعة واحدة –او هكذا تقول الاخبار – لكن وقتها بعض التحليلات الموضوعية قالت ان هذه الولايات فقدت السيطرة فحسب.
انضم بطبيعة الحال للخدودوين كل من له مشكلة مع النظام. القضية انهم بدأوا الشرارة. ولما بدأ صوت الرصاص يلعلع على حد وصف مفدي زكريا؛ ‘ابتداء من المدارس ووصولا للكنائس’ فقد العم سام بالفعل صوابه.
لم تجدي الحكومة المؤقتة وحالة الطوارئ المعلنة اي شيء وتلك الدويلة الاسيوية اصبحت خمسة وتكونت دول اخرى دينية وليبرالية وتقنية واختلط الحبل بالنابل حتى فاجئت احد الدول امريكا بقنبلة ضخمة في احدى المدن الكبرى مما جعلها تعلن الحرب على الدويلة الاسيوية بشكل رسمي –مع ان ذلك تم من قبل عمليا الا انه كان يسمى فض نزاعات دولية- لم يعد الامر فض نزاعات دولية؛ بدأت الانفصالات في اوروبا وصعدت الفاشية من جديد ثم تكونت تحالفات حربية وبدأت هرمجدون.
حتى مع بداية هرمجدون كانت كوكا كولا لا تزال تبيع قناني مشروبها المفضل.


كل حقوق القصة محفوظة لـيونس بن عمارة. مالك المدونة.


حقوق الصورة البارزة: Photo by Tim Rüßmann on Unsplash

رأيان حول “كيف ستكون نهاية العالم (2)؟ أو خدود لاند

شاركني أفكارك!